نحو تعليم شعبي ديمقراطي مجاني وطني وإجباري
ماذا يمكن ان يتضمن الدستور القادم من أحكام جديدة تخص المنظومة التربوية في بلادنا؟ هو محور للندوة التي نظمتها النقابة الجهوية للتعليم الاساسي بتونس مساء يوم الجمعة 19 أوت 2011 بمقر الاتحاد بتونس العاصمة.
النقاش تعلق بكيفية توصل جميع الفاعلين في التربية والتعليم الى ضمان القطع النهائي مع المنظومة التربوية وتأسيس منظومة جديدة تقوم على الشعبية الديمقراطية والمجانية والوطنية والاجبارية، وقد دعت النقابة الجهوية الباحث في التاريخ الأخ عبد العزيز الخماسي الذي قدم مداخلة تمهيدية شخصت في عنصرها الاول السياسة التربوية قبل الثورة كما أرادها نظام بن علي وفي العنصر الثاني قدم مقترحات للارتقاء بالمنظومة التربوية بإمكان الاطارات النقابية والمجلس التأسيسي القادم نبنيها.
المنظومة التربوية خادمة لنظام بن علي
استعرض المحاضر في بداية مداخلته خصائص المنظومة التربوية في عهد بن علي وبيّن ان بورقيبة ولئن نسب لنفسه إجبارية التعليم واصلاحه لنفسه، ونسي خير الدين وأحمد باي وغيرهما من الذين تركوا بصماتهم في التربية والتعليم، فان بن علي راهن على اللعب على وتر التعليم لانه وان كان مستواه التعليمي اقل من ضعيف ولا يعي آفاق ما يفعله فانه اختار من الفساد حاشية تخطط له، فأقر تعديلات جذرية في التعليم والبرامج والنظام التربوي ككل مثال النظم 1991 و 1997 وغيرهما، كما رفع شعار «مدرسة الغد» موهما غير الواعين بأهداف وهمية على انه يسعى لتأسيس مدرسة متطورة ومنظومة متكاملة مواكبة للتحولات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، لكن الاهداف ليست تلك وليست المصرح بها وانما هناك غايات مسكوت عنها، وتتمثل في خلق تعليم يهدف الى تخريج مواطن لا يفكر ولا يعي بما يدسّ له وما يحاك خاصة على المستوى السياسي، تعليم مبني على الاسكات والقمع وعدم القدرة على التعبير، وارهاص للكفاءات بأنواعها بل وتصنيفها ضمن «معارضة غير مشروعة» في نظر النظام البوليسي، مغضوب عليها مجمدة مضروبة بمطرقة الذل والإذلال.
وبين المتدخل أن بن علي أحاط المدرسة التونسية بأجهزة مراقبة تلعب دور الاستعلامات كي لا تخرج عن المسار الذي رسمه نظامه، وأثثها بمنظمات ساهرة على توجيه العملية التربوية الوجهة التي يرضاها، مثل منظمة التربية والاسرة التي أصبحت تستثمر في المدرسة ومن المدرسة، وظلت تنجز مشاريع يشرف عليها الفاسدون والمفسدون من أذناب التجمع الخسيس مقابل أجور من المال العمومي.
ومن الأمثلة الاخرى لتوظيف الفضاءات التربوية نذكر تكريس المجالس الغريبة عن المدرسة مثل «مجلس المؤسسة» الذي يسمح لرؤوس الاموال الخاصة والغرباء عن المدرسة التدخل في شؤونها لغايات سياسوية، لا لأجل مصلحة المؤسسة كما روجت لذلك وزارة الاشراف في العهد البائد.
كما أن الجامعات المهنية وشعبها تمعشت من قطاع التعليم وسخّرت بعض المؤسسات التربوية لخدمة أغراضها وتمرير مشاريعها مستعينة ببعض الوجوه التجمعية من الاطار التربوي وخاصة المتحملة لمسؤوليات ادارية، المركزية والجهوية وحتى المحلية.
وانتهى المحاضر بأن مقومات نجاح الثورة التونسية ان تحدث ثورة داخل المنظومة التربوية، فالثورة الفكرية الناجعة تنبع من ثورة تربوية ناجعة، ولتكون الثورة التربوية ناجعة يجب ان تشمل كل المكونات النظرية والمادية للمنظومة التربوي والفضاء الزمني ربما لا يسمح لوصف الواقع المدرسي والبرامج والتسيير والتكوين والتأطير والتجهيزات وقاعات التدريس والوسائل التعليمية وما ينتظر التلميذ ومدى ملاءمته مع انتظاراته وانتظارات المعلمين، فكيف يمكن تنزيل الثورة التربوية ضمن دعائم الثورة التونسية وما هي سبل انجاحها؟
الثورة التربوية المرتقبة من ركائز نجاح الثورة التونسية
أشار المتدخل الى ان رجال التعليم كما الشعب التونسي مهتم بكل ما يجب ان يكون عليه الدستور وبصفة خاصة ما يهم قطاع التربية، لذا يرى المربون وان مكونات نص الدستور يجب ان تعطي قطاع التربية والتعليم ما يستحق بأن تُضمّن به بنود وفصول تهمّ المنظومة التربوية، كالتنصيص بصريح العبارة وبكل تفصيل لا يقبل التأويل عن ضمان تعليم تونسي ديمقراطي ووطني مجاني واجباري غير موجه لخدمة جهة معينة، متماشيا مع الظروف الحضارية والاجتماعية والاقتصادية للوطن، ومنفتحا على الآخر بما يضمن التفاعل الايجابي ومواكبة التطورات العالمية دون المساس بثوابت مجتمعنا وطبيعته، كما تضمن الدعوة للمجلس التأسيسي المرتقب ان ينص بالصريح على التفريعات والروافد والدلالات المواتية لذلك بطريقة لا تقبل التأويل ولا تسمح بتحميلها اكثر من مدلولها، مثل ما وقع في النظام السابق الذي زعم التفتح على المنظومات العالمية ليستورد منظومة أجنبية وقام باسقاطها على الحقل التربوي التونسي دون مراعاة الخصوصيات الوطنية والاجتماعية والاقتصادية المحلية، كما يريد المعلمون دستورا يضع كلا من التلميذ والمربي في الاطار والمنزلة التي يستحقانها من حقوق وواجبات حتى لا يتم فيما بعد اصدار قوانين قد تنال من هذا او ذاك خدمة لغايات شخصية او سياسية غير نبيلة، واقترح المحاضر تمتيع المربي بنوع من الحصانة حتى يؤدي واجبه الوطني دون التعرض للنيل من كرامته باعتباره مؤتمنا على عقول الأجيال.
وأكد المحاضر ان مفهوم المدرسة وهيبتها ومواصفاتها ايضا من الثوابت التي وجب تخصيص حيز لها في الدستور كمؤسسة اجتماعية تعدّ المجتمع وتبنيه وتؤسس له، علاوة على التأكيد على اللغة العربية وما تستحقها لتبقى اللغة الاساسية والاصلية، كما يجب التأكيد على استقلالية التعليم بعدم جعله خادما لجهة سياسية معينة كي لا تقع في مزالق التعليم النوفمبري وأوصى في النهاية الى تمتيع اطار التدريس بقانون اساسي لمنظومة تربوية مواتية لمبادئ الثورة التونسية يراعى فيه اعادة النظر في كيفية انتداب المعلمين وطرق تكوينهم، وضبط روزنامة تكوينية للمعلمين، كل حسب حاجته كفيلة بتقديم تكوين مناسب ومزدوج بين البيداغوجي والاساسي المعرفي ليقع تحيين معارفه وتعهدها بالمواكبة والاضافة الى مختصين وجلب اساتذة جامعيين في اختصاصات مختلفة لإنماء معارف العلم في كل مواد التدريس هذا الى جانب فتح الآفاق العلمية للمعلمين وتوسيع طاقة استيعاب المعهد المختص في ذلك واضافة شعب اخرى لتنويع الاختصاصات لدى المتخرجين واعتبار كل الشهائد العلمية الجامعية التي يحصل عليها المعلم لترقيته وفتح مجال الترقيات ليحوي كل تلك الشهائد في علاقة تناسبية.
كما يجب ان تكون الترقيات لدى استاذ المدارس الابتدائية الحاصل على الاستاذية على غرار ما يتمتع به استاذ التعليم الثانوي، فكلاهما موظف في التربية وله الاستاذية كما زميله وان تكون الاطارات النقابية مساهمة وفاعلة في البرامج الرسمية وفي رسم الخط العام للمنظومة التربوية والمساهمة في اعداد الكتب المدرسية وعدم جعلها حكرا على جيوب الفساد من الوزارة فالمقترح ان يساهم في اعداد هذه الكتب اهل الاختصاص في كل مادة من النزهاء والأكفاء، واطار اشراف بيداغوجي نزيه وكفء غير موال، ورجال ميدان من المعلمين تقترحهم النقابة العامة بعد استشارة قواعدها، (وهنا نفتح قوسا لنعلم ان الوزارة شرعت من الآن في نشر كتب جديدة وتنقيح اخرى على غرار الطريقة البائدة والنقابة العامة للتعليم الاساسي لم تقع استشارتها في ذلك وهنا دعوة الى الفطنة لما يجدّ).
كما أكد المحاضر ضرورة تفعيل دور المساعد البيداغوجي وتمكينه من التكوين العلمي والمعرفي والبيداغوجي اللازم لكي يرتقي بدوره الى المساعد الفاعل والفعال، لا المساعد الاداري التقليدي المحدود الفاعلية واحداث مجالس جهوية مستقلة للتربية تعنى بكل ما يهم التربية والتعليم في الجهة وتكوين نواد للمعلمين ينشط داخلها المربون أنشطة ثقافية وغيرها وهي مكان يخلق فرص اللقاء بينهم للافادة والاستفادة فضلا عن تفيعل «دار المربي» وتغيير وجهتها الحالية وجعلها في خدمة المعلمين لا غير.
أما فيما يخص المدرسة والتلميذ فأوصى المحاضر بالحرص على جعل الفضاءات المدرسية مشتملة على كل اسباب النجاح من مباني ملائمة وتجهيزات ووسائل ومعينات تربوية وتكوين مكتبات للمطالعة والبحوث خاصة بالمعلمين واخرى بالتلاميذ في كل مؤسسة تربوية تعينهم علي القيام بمهامهم وتنمي زادهم المعرفي وبعث خلايا صحية وطبية دائمة بالمدارس الكبرى خاصة لتراقب الظروف الصحية للتلاميذ اثناء وجودهم بالمؤسسة الى جانب تغيير طريقة قبول التلاميذ بالسنة الاولى التي تعتمد حاليار نسخة من دفتر التلاقيح وشهادة سكنى، وذلك باضافة شرط آخر وهو ان يمر كل راغب في التسجيل بطبيب مختص يحدد مدى قدرة الطفل على التعلم وقياس عمره العقلي وما الى ذلك الى جانب توفير الظروف المادية والمعنوية للتلميذ وتوفير كل مستلزمات العملية التربوية.
ولا ننسى القطع مع منظمة التربية والأسرة وحلها وتعويضها بمجالس الجهوية للتربية المقترحة آنفا.
لا نجاح للثورة دون ثورة تربوية
تدخلات الحاضرين كانت ثرية جدا واتفقت على ان المجلس التأسيسي المرتقب يجب ان يتبنى رؤية ونمط تفكير جديدين للمنظومة التربوية تقطع مع الماضي وتطرح بدائل فكرية تؤسس لتعليم ديمقراطي شعبي ومجاني ووطني واجباري وبالتالي يمكن تعبيد طريق سوية للأجيال القادمة.
كما تساءل الحاضرون عن من سيمثل المربين في المجلس التأسيسي ليوصل أصواتهم الى هذه المؤسسة ويساهم في بلورة دستور يعطي الأهمية اللازمة لمنظومة تربوية منفتحة على الجانب الكوني والانساني وأكدوا ان ذلك سيكون عبر صراع يخوضه المربون في كافة الاسلاك داخل المجلس التأسيسي او خارجه.
توصيـات
المعلمون وفي نهاية ندوتهم أصدروا جملة من التوصيات فأكدوا ضرورة إفراد فصل في الدستور خاص بالتعليم ينص على تعليم جيد شعبي ديمقراطي مجاني وطني واجباري والتنصيص على الحق في ممارسة العمل النقابي دون قيد او شرط وضمان استقلالية المربي وحصانته وضمان كرامته وصياغة القوانين والبرامج الخاصة بالتعليم تتم من طرف الهيآت المنتخبة ذات الصلة بالعملية التربوية، كما شددوا على تكريس مبدأ الاختلاط والمساواة والانصاف وتكافؤ الفرص الى جانب التنصيص على مبدإ تعليم مستقل يكرس الهوية الوطنية المنفتحة على القيم الانسانية وضرورة تكفل الدولة بمجانية التعليم في كافة المراحل وفي الختام ضروة ان تكون الهيآت المسيرة جهويا لشؤون التربية والتعليم منتخبة من رجال التربية.
صبري الزغيدي ( جريدة الشعب )