"الفكر الحر" في عددها الثاني تتناول تعليم المرأة في تونس منذ زمن الحماية
لم العودة إلى قضايا حسمها جيل الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي ؟
صدر مؤخّرا عن دار "نيرفانا" للنّشر بتونس العدد الثّاني ( فيفري 2012 ) لمجلة " الفكر الحرّ " وهي مجلّة ثقافيّة جامعة تصدر مرّة في الشهر ويرأس تحريرها الكاتب عبد الواحد براهم. وقد ساهم في العدد الجديد جمع من الباحثين والكتّاب في مختلف أصناف الإبداع الأدبي بالمقالات والقصص القصيرة والقصائد.
وقد احتفى الكاتب عبد الواحد براهم في افتتاحيّة العدد بما أسماه رجع الصّدى الطيب وهو يقصد به الملاحظات التّي وردت على المجلّة والتّي عبّر أصحابها من خلالها عن مساندة المشروع وتشجيعه.
المجلة وإن كانت ذات صبغة فكرية وأدبية فإننا نلمس من خلال اختيارالمواضيع محاولة لمواكبة الحدث والإنسجام مع اهتمامات القارئ في اللحظة الراهنة.
وتكاد تكون العلاقة مع المرأة في بلادنا بعد أكثر من عام على انتصار الثورة الشعبية من أكثر المواضيع الساخنة والتي تثيرأكثر من غيرها الإهتمام خاصة مع ظهور حركات سلفية تطمح إلى مراجعة وضع المرأة القانوني والإجتماعي وفق إيديولوجيتها الخاصّة ووفق خطّها الفكري والمذهبي إلخ وفي ظل ما تثيره تحركات هذه الجماعات- التي استفادت من مناخ الحرية السائد منذ سقوط الديكتاتورية في بلادنا -من مخاوف من بينها العودة عن مكاسب المرأة التونسية المضمونة في القوانين وخاصة بمجلة الأحوال الشخصية وقد اختارت مجلّة الفكر الحرّ في هذا العدد المساهمة على طريقتها في طرح الإشكالية من خلال نص بامضاء عادل يوسف بعنوان تعليم البنت التونسية زمن الحماية.
تناول الكاتب الموضوع من زاوية تاريخية حيث بين أن قضية تعليم البنت طرحت منذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وطرحت بأكثر حدة مع نهاية العشرينات وساهم صدور كتاب الطاهر الحداد " امرأتنا في الشريعة والمجتمع سنة 1930 في تغذية الجدل حول الموضوع.
حقبات تاريخية
وقد مر تعليم البنت في تونس حسب نفس المصدر بحقبات، فقد كان هناك في البداية تحفظ على تمكين البنت من تعليم عصري ثم تغيرت النظرة المحافظة (الثلاثينات) خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ونودي منذ مطلع الخمسينات بتمكين المرأة من تعليم شامل وقد سجلت المرأة حضورها بالتعليم الثانوي وبالجامعات الفرنسية وقد شجعت حكومة فجرالإستقلال المرأة على التعليم بداخل البلاد أو خارجها. وتوقف الكاتب عند دور ما أسماه بالنخبة العصرية التونسية في الجدل حول تعليم المرأة وخاصة دور الطلبة التونسيين المزاولين لتعليمهم بالجامعات الفرنسية.
وانتهى الكاتب إلى تسجيل استغرابه من عودة النقاش حول مواضيع من المفروض أنها حسمت منذ الأربعينات والخمسينات ولم يعد هناك من داع للبت فيها مجددا بحكم التحولات التي حدثت للمرأة التونسية منذ الحرب العالمية الثانية. ويخص الكاتب بالذكر قضايا الحجاب والنقاب والفصل بين الفتاة والفتى بالمدرسة وبالجامعة ويقول في هذا الصدد: هي مسائل خلناها ولت بدون رجعة. وقد أرفق النص بمجموعة من الصور النادرة والطريفة أغلبها بالأبيض والأسود و تروي هذه الصور قصة جداتنا وأمهاتنا والفتيات المحظوظات اللواتي كان لهن الشرف أن تكنّ من الأوائل اللواتي سجّلن أسماءهن في التاريخ من خلال اقتحامهن عالم العلم والمعرفة الذي كان في البدء محرما عليهن أو على أغلبهن.
صورة المرأة في الرواية العربية بين الموضوع والذات
موضوع المرأة تم التطرق له في هذا العدد كذلك من خلال النصّ الذي أمضاه محمد آيت ميهوب وهو بعنوان المرأة والحداثة في الرواية العربية. فقد بين الكاتب أن الرواية العربية اعتنت منذ بداياتها بقضية المرأة وقد اقترن حديث الرواة دائما بالتنديد بالمكانة التي يحلّ المجتمع العربي المرأة إياها وبالتصدي للنظرة الذكورية المتسلطة التي تهيمن على وجود المرأة فتحولها إلى متاع ممتهن مسلوب الإرادة مخنوق الصوت. لكنه استدرك قائلا أن صورة المرأة في هذه الروايات تغلب عليها السلبية وجعلها الرواة موضوعا مفعولا به وقد حدث التحول مع ما أسماه بتدفق الروايات النسائية خاصة مع كوليت خوري ونوال السعداوي وغيرهما مما مكن من حضور -أنا المرأة -في السرد حضورا محوريا مكثفا. واستعرض الباحث مختلف المظاهر التي ساهمت في حدوث تحول على مستوى صورة المرأة بالسرد العربي. لينتهي إلى ما لاحظه من نقلة نوعية وتطور عرفتهما صورة المرأة في الرواية العربية. فتحولت بفضلهما من موضوع إلى ذات فاعلة.
واحتفى العدد الجديد بالراحل مصطفى الفارسي في ذكرى رحيله الرابعة حيث خصته المجلة ببورتريه بامضاء عبد الواحد براهم وصف فيه مصطفى الفارسي الكاتب والإنسان وتعرض فيه بالخصوص إلى لقائه به منذ أواسط الستينات من القرن العشرين وعرض لثلاثة مراحل في حياة الرجل وخاصة المرحلة الثانية أي فترة الحياة العملية التي قال عنها أنها كانت أخصب فترات الإنتاج لدى مصطفى الفارسي. ولئن عرف مصطفى الفارسي بالخصوص بأعماله السردية فإن رئيس تحرير المجلة خصه بمقال حول تجربته الشعرية وقال بالمناسبة أن التركيز على أعمال الفارسي السردية قد حجبت أعماله الإبداعية الأخرى ومن بينها الشعر ولم يعرف مصطفى الفارسي بأنه شاعر إلا في دوائر ضيقة. ونشرت المجلة قصيدة لمصطفى الفارسي بالفرنسة وترجمها إلى العربية عبد الواحد براهم. وقد خصصت للأديب الراحل دراسة بامضاء أحمد الحمروني واهتمت بعلاقته بالسينما ودوره في هذا القطاع خاصة وانه أسس الشركة التونسية للإنتاج والتنمية السينمائية ( 1962 ) كما تم تحويل عدد من أعماله الأدبية إلى أشرطة وقد أرفقت الدراسة بصور نادرة للأديب الراحل صحبة عدد من نجوم السينما من بينهم على سبيل الذكر عمر الشريف واسماعيل ياسين وفاتن حمامة والفنان فريد الأطرش.
وقد ضم العدد الثاني للمجلة كما سبق وذكرنا عددا غزيرا من القصائد والقصص القصيرة ومن بين الأسماء التي ساهمت في هذا العدد نذكر كل من المنصف الوهايبي وحسن بن عثمان ونور الدين صمود ومحمد الغزي وعبد الله بن يونس وجميلة الرقيق وفوزية العلوي ومسعودة أبو بكر وغيرهم.
حياة السايب * الصباح 22/2/2012