صـباح الوطن
هل انخرطت جميع الأحزاب في حملات انتخابية سابقة لأوانها؟
صور ضخمة تعترضك في جميع الطرقات شمالا وجنوبا...حملات اشهارية تشاهدها وتسمعها في مختلف الأوقات.. وأموال ضخمة تصرف على اللافتات والاجتماعات الضخمة.. فهل انطلقت الحملة الانتخابية قبل الأوان؟ وان لا يمكن اعتبار هذا الفعل قانونيا، فان أي جهة لم تسجل موقفا رافضا لمثل هذه التحركات، حتى أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهي الجهة الأولى المخولة للتصدي لأي تجاوزات في المسار الانتخابي، لم تقف أمام هذه التجاوزات" ، بل يبدو أنها توجه جميع جهودها وطاقاتها لاستكمال العمليات الانتخابية الأولى ومن ذلك استكمال عملية التسجيل في القائمات..
من جهة أخرى فان الانطلاق في الحملة الانتخابية لأطراف دون غيرها قد يربك الأطراف الأخرى.. وحتى الأحزاب التي لم تتمكن منذ البداية من الولوج في السباق يبدو أنها تنزل في هذه الجولة المتقدمة بثقلها من أجل إدراك ما فاتها ومن أجل أن لا تكون خارج السرب وخارج إطار حملة انتخابية، تعلو على كل شيء وتستغل كل ظرف وتركب أي حدث..
انطلاق وسباق
حملات دعائية من هنا وهناك وبأشكال مختلفة علنية وغير معلنة انخرطت فيها الأحزاب السياسية في سباق مشحون للوصول إلى المواطن وشده.. فبعد إعلان العمل على انتخاب المجلس التأسيسي انطلقت العديد من القوى السياسية وانتدبت "مختصي دعاية" ومنفقة على ذلك أموالا طائلة، كما اعتمدت عدد من القوى "ميسورة الحال" استراتيجيات إعلامية وتسويقية ضخمة امتدت في الشوارع وعبر وسائل الإعلام...
وبعد الحزب الديمقراطي التقدمي الذي انطلق في حملة انتخابية حتى قبل تأجيل الموعد الانتخابي وواصلها بعد تأجيل الموعد، وبعد الحملات عبر الأنترنات وإقامة التظاهرات الجماهيرية للنهضة هاهو حزب التكتل من أجل العمل والحريات وبقيادة الدكتور مصطفى بن جعفر ينطلق في حملة إعلامية مرئية ومسموعة ومكتوبة ، أعلن خلالها في الأسبوع المنقضي عن برنامجه الذي يبغي تحقيقه على أرض الواقع ويعلن استعداده للمشاركة في حكم البلاد...
وان نفى مصطفى بن جعفر أن يكون ذلك داخلا في إطار حملة انتخابية سابقة للأوان غير أن ذلك يعد عملا "مشروعا" خاصة أن القوى الأخرى المنافسة دخلت السباق أشواطا قبل التكتل، بل إن التكتل يعتبر متأخرا في هذا السياق...
أساليب مبتكرة
ويبدو أن عددا من القوى السياسية لم يقتصر عملها على ترويج البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعمل على تحقيقه، وهو العمل السوي والمشروع، ولا على الحملات الإعلانية الاشهارية، بل أخذ عناوين وأشكال أخرى غريبة بعض الشيء، إذ أن بعض المواقف التي اتخذتها عدد من الأطراف السياسية لا يمكن فصلها عن حملتها الانتخابية، بل إن تلك المواقف ليس لها أي علاقة بمستقبل البلاد ولا بتموقع تلك الأطراف الصادرة عنها ان سلمنا بأن الأحزاب ماهي الا منظمات مدنية تحاول تحويل أفكارها الى سياسات-وإنما هو يأتي في إطار التعبئة "الانتخابوية" لا غير..
كما أن السلوك السياسي ومجارات نبض الشارع حتى وان لم تكن المطلبية ومواقف رجل الشارع منظمة، لا يصب في خدمة الوطن ولا في إطار المرجعية الفكرية ولا السياسية لعدد من القوى، بل خيرت تلك القوى فقط توسيع عدد مريديها، لا تحمل المسؤولية في اتخاذ مواقف مسؤولة ومعقولة قد تجنب البلاد الدخول في مزالق خطيرة حتى وان كان منطلقها عفويا...فالوضع الانتقالي الصعب وغياب الشرعية يجعل الوضعية هشة..وهذا ما أثبتته الأحداث الأخيرة في البلاد..
من ناحية أخرى يذهب العديدون إلى جميع المواقف ومختلف جوانب الخطاب السياسي، لا يصب إلا في إطار حملة هذا أو ذاك،، وكأن الشعار المرفوع في هذه اللحظة " كل الطرق وكل المواقف تعبئة انتخابية"..
السلطة قبل كل شيء
يبدو أن السباق نحو السلطة "أعمى" أعين العديدين، الذين لم يدركوا إلى الآن أن نجاح مثل ذلك الاستحقاق يتطلب توفر الحد الأدنى لبعض الضمانات، بل إن غياب الأمن وحالة الفوضى لن يكون لها أي نتائج في هذا الإطار غير عرقلة وإرباك المسار الانتخابي الذي انخرطت فيه مختلف القوى لتحضيره، بل انطلقت عملياته الأولى وبدأ تسجيل المنتخبين...وهاهو اقبال التونسي الضعيف الى الان رد واضح على مدى ثقته في العملية السياسية !! كما انخرطت في ذلك عدد من الأحزاب السياسية التي انطلقت من الآن محددة للخطوط الكبيرة لقائماتها التي ستدخل بها هذا الاستحقاق، بل أن عددا منها وقبل ذلك، يعترضك مناضلوها أمام المساجد حاملين "تراكت" أو صك توبة كما يحلو للبعض أن يسميه تحمل إمضاءات سياسية وشعارات خطية تحث المواطنين على التسجيل...
وليس بغريب أن تكون لعدد من التحركات الغريبة التي عاشتها البلاد، علاقة أيضا بالحملة الانتخابية، فعدد من الشعارات المرفوعة لم تكن سوى حزبية ضيقة، رفعت في اعتصام القصبة 3 وهو أمر معلوم لدى الجميع، بل رفعت أيضا بمناطق أخرى، شهدت نفس التحرك، وقد يكون الباجي قائد السبسي الوزير الأول لم يكمل الصورة كاملة حينما أكد في كلمة ألقاها أول أمس أن جهات ليس لها مصالح في خوض الانتخابات هي من تقف وراء عمليات التخريب في عدد من مناطق البلاد، فأغلب القوى السياسية تدرك الآن وبوضوح أن العملية الانتخابية انطلقت فعلا وقد تكون عدد من نفس القوى التي تحذر جهرا وصبحا ومساء من مغبة تأجيل الانتخابات، دخلت هي كذلك في صف التحركات الأخيرة...
جميع الأحداث الخطيرة التي مرت بها البلاد ، يبدو التعامل معها بين القوى التي تدخل الاستحقاق الانتخابي لـ"تمثيل" الشعب التونسي، مجرد مطية وحدث آخر حتى تجمع حولها عددا آخر من المناصرين وخاصة عددا آخر من الناخبين...في المقابل فان تعامل الحكومة مع الأحداث وخاصة في المدة الأخيرة يبدو يشكو بعض الارتباك، فالأحزاب في تونس اتخذت مواقع أخرى خلاف موقعها في الانخراط في البناء والعمل على تجاوز حالة الاستثناء وغياب الشرعية...بل تقف في خط النهاية منتظرة الغنائم دون أن يهمها ما الذي يمكن أن يكلف هذه الطريق الوعرة الشعب التونسي من خسائر؟
أيمن الزمالي المصدر جريدة الصباح 21/7/2011