خطبة الجمعة(
استقبال شهر رمضان الكريم )
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته، قال عز وجل
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
أيها المسلمون: قال الله سبحانه وتعالى
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) والناس يتنافسون في هذه الحياة لتحقيق الأهداف ونيل الأمنيات، ويرجون حسن الخاتمة وطيب المآل، وإن العمل الصالح ومرضاة الله عز وجل أفضل ما يتنافس فيه الناس، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أعظم مجالات التنافس هو شهر رمضان لما خصه الله تعالى بمزايا الفضل والقربات، فقال صلى الله عليه وسلم :« إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغى الخير أقبل، ويا باغى الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة».
وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على تصفية النفوس، وطهارة القلوب، حتى يستقبل الإنسان هذا الشهر المبارك بنفس زكية طاهرة، فكان يوصي بقوله صلى الله عليه وسلم :« إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم».
وكان الصالحون يستعدون لهذا الشهر بالدعاء، فيسألون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم، وكان من دعائهم: اللهم سلمنا إلى رمضان وسلم لنا رمضان، وتسلمه منا متقبلا.
فأية فضيلة وشرف لرمضان جعلت هؤلاء الصالحين ينشغلون بالدعاء عامهم كله لرمضان.
فاجتهدوا -عباد الله- أن تكونوا في شهر رمضان من أهل القبول، وابتعدوا عن كل فعل يتنافى مع هذه الفريضة العظيمة، فقد قال صلى الله عليه وسلم :« من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».
أيها المؤمنون: أنتم على أبواب شهر مبارك شهر رمضان، يغشاكم الله سبحانه فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فذاكر الله تعالى في رمضان يغفر له، وسائل الله عز وجل فيه لا يخيب، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل، وأحسنوا اغتنام هذه النفحات بحسن استقباله بكثرة الطاعات، وصيانة الجوارح، وشحذ الهمم للاستفادة من الأوقات، في اكتساب الباقيات الصالحات، والفوز بالمغفرة ودخول الجنات، قال سيدنا علي رضي الله عنه: إن الصيام ليس من الطعام والشراب، ولكن من الكذب والباطل واللغو.
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ... وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك وصومك سواء.
فيا فوز من وفقه الله تعالى فعمر شهره بالطاعات، وشغل وقته بتلاوة الآيات، وأحيا ليله بالصلوات، وصان لسانه عن الزلات، فنال أعلى الدرجات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« يرحم الله عبدا قال خيرا فغنم به، أو سكت عن سوء فسلم».
اللهم بارك لنا فيما بقي من شعبان وبلغنا رمضان, وأعنا فيه على الصيام والقيام، وحفظ اللسان وقراءة القرآن، اللهم وفقنا لطاعتك وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.