المواطن والسياسة

الوطنيّة

ما نفهمش.. في البوليتيك !!!

11:18 10-09
بعد الثورة ظهرت مفاهيم جديدة ومصطلحات سياسية لم يكن لأكبر المتفائلين أن ينتظر سماعها والخوض فيها في ظل التصحر السياسي الذي انتهجه النظام السابق. فـمصطلحات كـ"الشرعية الوفاقية" و"التيارات السياسية" و"الاصطفافات الايديولجية" و"مفاهيم كـ"الاسلام السياسي" و"التحالفات السياسية" و"الجبهات الحزبية" و"التكتيك السياسي" وغيرها من المفاهيم والمصطلحات التي كانت تمثل مادة للبحوث لا تبارح أوراقها ولا تخرج من رفوفها الضيقة صارت اليوم الخبز اليومي للمواطن التونسي البسيط الذي كان كل همّه توفير قوته وفي اقصى الحالات نقاش ساخن في مباراة كرة قدم في ركن معزول من المقهى.

لا ينكر المتابع لنبض الشارع التونسي أن تعاطي المواطن مع الشأن السياسي لازال يتميز بشيئ من الريبة وقلة الثقة وحتى الخوف في بعض الاحيان وهو أمر طبيعي بالنظر للاستراتيجية "الشيطانية" للنظام السابق والذي وضع "المحرمات الثلاث": الدين والسياسة والجنس. هذا الخوف والحذر الشديد في تعامل التونسي مع السياسة ظهر جليا في رفضه التام للأحزاب السياسية المتهاطلة يوما بعد يوم بل وحتى رفضه مجرد التعرف عليها وأفكارها كذلك ظهرت في عزوف المواطنين على التسجيل في قوائم الانتخابات للمجلس التاسيسي وعدم اهتمامه ولامبالاته بالحملة الانتخابية لمختلف الاحزاب والقوائم التي غزت الحيطان دون ان تسترعي انتباهه.

كما ان هذه العلاقة بين التونسي والسياسة لازال يكتنفها جانب كبير من الغموض وضبابية الرؤية وهو نتاج لسياسة التمييع والتجهيل التي توخاها نظام بن علي فدائرة المعارف "المقبولة" كانت لا تتخطى الرياضة في جانبها الشعبي أو الثقافة لمن استطاع إليها سبيلا من الـ"نخبة" اما السياسة و"النظرة الاستشرافية" فهي حكر على سيادة الرئيس والسيدة الفاضلة ولا تتعدى كواليس قصر قرطاج. لهذا فإن معظم التونسيين وخاصة "ثوار ما بعد 14 جانفي" اتسم تعاملهم مع القضايا السياسية بسطحية وقلة دراية و"تخلويض" في كثير من الاحيان.

ولا يمكن ان نلقي بكل الحمل على النظام السابق وزبانيته في خلق هذا الحاجز بين التونسي والسياسة فـ"المناضلون" العائدون من وراء البحار بعد سنوات من التهجير والمعذبون في غياهابات دهاليز وزارة الداخلية عززوا نفور التونسي من الـ"بولي...تيك" في معناها السلبي الوسخ الذي يتجرد من الاخلاق ويسبق للمصالح الحزبوية الفئوية الضيقة على المصلحة العامة. لدرجة يتماهى فيها كل من يمارس "البوليتيك" بالخائن والكاذب.

وهو تخوّف مشروع ونفور له ما يبرره في ظل غياب ضمانات ومحفزات للإقبال على الشأن العام والمشاركة في صنع القرار خاصة وان كل الأحزاب "المناضلة" انخرطت اليوم في سعي محموم وتكالب مرضي على شبح يكاد لايلوح للكراسي وسخرت في سبيل ذلك كل "مرتزقتها" وكل مال منخرطيها وبعضا من الهبات والهدايا والتي لا يهم إن كانت وافدة من وراء الحدود.

"المواطن".. صار يستيقظ على إعلانات الأحزاب تصدح على موجات الأثير ليصطدم بالمعلقات الاشهارية لبناة المستقبل ويفتح جريدته فيطالع نداء لشباب الثورة يعود منهوك القوى إلى منزله يفتح شاشته فيفاجأ بعراك ديكة شرس بين قادة الأحزاب و"ممثلي المجتمع المدني".

يملّ ويغلق الراديو والتلفزة والصحيفة ويعود أدراجه يقول مقولته الشهيرة "مانفهمش في البوليتيك".