التونسيون بعد الثورة من منظور علم الاجتماع
الثلاثاء, 06 سبتمبر 2011 17:29
تونس
(وات) - يمر الاقتصاد التونسي بفترة حرجة ودقيقة قد تتجه نحو مزيد من
التأزم، كما يرى العديد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين، اذا لم يتم
اتخاذ الإجراءات المناسبة ولم يتم تأطير المطالب الاجتماعية.
وحذرت الحكومة الانتقالية والأحزاب السياسية والجمعيات والخبراء
والمختصون من اندلاع أزمة اقتصادية خانقة في صورة تواصل تدهور الوضع بفعل
الإضرابات والاعتصامات وأحداث الشغب منبهين إلى ضرورة تحسيس التونسيين
بضرورة الخروج بالبلاد من حالة الركود ودفع اقتصادها.
والحقت العديد من المظاهرات والحركات الاحتجاجية "الاعتباطية"
و"اللاشرعية" أضرارا بالمرافق العمومية والخاصة وساهمت في تذبذب النشاط
الاقتصادي اذ تم غلق عديد المؤسسات وتراجع مستويات الإنتاج والنشاط السياحي
والاستثمار الأجنبي.
وأكد السيد عبد الستار السحباني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة العلوم
الإنسانية والاجتماعية بتونس على ضرورة عدم تهويل هذه الظواهر الاجتماعية.
وقال السحباني في حديث خص به (وات)، "إن الوضعية الحالية ليست سيئة اذا
ما قارنا انعكاسات الثورة التونسية على الاقتصاد والمجتمع مع ثورات أخرى في
العالم على غرار الثورتين الإيرانية والكوبية".
وأوضح الجامعي، الذي يترأس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع، ان الأسبوع
الذي وقعت فيه ثورة 14 جانفي كان حاسما لتونس. "وبالفعل فان الانتقال من
نظام استبدادي إلى وضع فوضوي يتسم بغياب شبه كلي للدولة ورفض للحزب الحاكم
سابقا (التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل) وضع البلاد في طريق مسدود".
وأضاف "لقد نجح التونسيون رغم دقة هذه الفترة، التي اتسمت بمد ثوري
منقطع النظير، في تلافي الفوضى والبلبلة وحافظ الاقتصاد على أدائه وتمت
استعادة الأمن بشكل نسبي".
"نقص وعي التونسيين بحجم الإشكاليات الاقتصادية"يعتقد السحباني أن الأغلبية الساحقة من التونسيين لا تعير اهتماما كبيرا
إلى الإشكاليات الاقتصادية وتراجع الاستثمار وانعكاسات الأزمة الليبية على
البلاد فضلا عن تنامي القطاع غير المنظم وغياب هياكل الدولة مركزين
اهتماماتهم على المشغل اليومي فحسب.
وبين انه طالما استمرت المؤسسات في العمل مع تامين المرافق الأساسية
كالماء والكهرباء والاتصالات والصحة وتواصل تزويد الأسواق بصفة طبيعية وصرف
الجرايات فان المواطنين لن يعيروا أي اهتمام للازمة الاقتصادية.
وحلل عبد الستار السحباني هذه الوضعية ملاحظا ان تغير المعايير خاصة على
مستوى الشبكات الاجتماعية (العائلة والمدرسة...) التي تعاني حالة شلل،
أفضى إلى ظهور بيئة عدائية يسودها العنف والاعتداءات والغضب...وهي ظواهر
افرزها التهميش والإقصاء الاجتماعي.
وأفاد انه إزاء هذه الوضعية تجد الحكومة المؤقتة نفسها عاجزة عن استيعاب
غضب المواطنين والاستجابة لانتظاراتهم مع فقدان هؤلاء الثقة في وعود
الحكومة.
وذكر أستاذ علم الاجتماع "بان التونسيين عاشوا الديكتاتورية وهيمنة حزب
واحد على الساحة السياسية وتحكم هياكل شبه حكومية في المجتمع مع غياب كامل
للمجتمع المدني أو الأحزاب السياسية". وزادت حدة الوضعية المعقدة مع خلط
التونسي بين مفهومي النظام السياسي والدولة.
وفي الخيال الجماعي فان الدولة تتلخص في المسؤولين السامين الذين يشغلون
الصف الأول ضمن المشهد السياسي وليس في مؤسسات الدولة. وعلى هذا الأساس
يعتبر التونسيون الدولة عدوا.
ونتيجة لهذا الخلط فان التونسي يعتبر انه "في حالة عدم استجابة الدولة
بشكل ايجابي لانتظاراته ومطالبه فان ذلك ناجم حتما عن عدم قدرة المسيرين
على العمل بشكل ملائم".
وابرز انه بالنسبة لبعض التونسيين فان الدولة لم تعد موجودة ولا مجال
لتواجدها فهي "الجنة"، أين يكون كل شيء مسموحا به وممكنا. وهذا هو نفس توجه
الثورة وهو ما يفسر المزايدات السياسية.
"كل شيء مباح باسم الشرعية الثورية"بالنسبة للبعض فان الإضراب والاعتصام ضرورة لتحقيق المطالب قبل
انتخابات 23 أكتوبر 2011 ووصف عبد الستار السحباني طريقة التفكير هذه
ب"نزعة فردية متوحدة" تزداد حدة مع غياب مراقبة قضائية وأمنية.
وتحدث في نفس السياق، عن وجود "فوضى منظمة" اليوم، فقد بات كل شيء
مسموحا به باسم الشرعية الثورية. ويعتقد المواطنون انه التوقيت الأنسب
لتلبية مطالبهم على جميع المستويات (تشغيل وترفيع في الأجور وتحسين مستوى
العيش إلى غير ذلك).
"فالدولة الفوضوية تتمظهر خاصة في نظام امني منهار في حين كان هذا الاخير يضطلع ولسنوات طويلة بدور المعدل الاجتماعي".
وذكر استاذ علم الاجتماع بأن "الجهاز الأمني لم يعد، بعد ثورة 14 جانفي،
قادرا على العمل، فأعوان الشرطة والديوانة نفذوا إضرابات وأسسوا نقابات
لتأكيد مطالبهم".
وأوضح ان المواطنين استباحوا كل شيء باسم الثورة. ويعمد هؤلاء في سبيل
التعبير عن مطالبهم إلى إرساء شبكة من التحالفات الجماعية (بين عائلات
واجوار وقبائل...) لمهاجمة الدولة مذكرا في هذا الصدد بالمساكن الفوضوية
التي قامت ببنائها مجموعات. ويتعلق الأمر حسب رأيه بمرور من نزعة فردية
متوحدة الى نزعة فردية متضامنة.
ولم يخف عبد الستار السحباني ارتياحه لاختفاء لجان الأحياء التي تشكلت
غداة الثورة، باعتبار ان اللجان الثورية أفضت إلى الدكتاتورية في الاتحاد
السوفياتي سابقا وإيران وليبيا...واعتبر ان السلطة الشرعية هي الضامن
الوحيد لاستعادة نسق الحياة العادي. وأشار إلى ان النظام السابق أسس نظاما
بوليسيا ويتوجب ان تتأسس الثورة التونسية على نظام مدني.
وقال إنه يتعين إحداث نظام يتركز على التعليم والتربية والثقافة
والإعلام والحرية والديمقراطية والاحترام والتسامح...." وهو ما ننتظره
فعليا من الثورة".
وفي المرحلة الراهنة فان شرعية فاعلة من شأنها ان تتيح التصرف في الوضع
في البلاد في انتظار انتخابات 23 أكتوبر. واعتبر أستاذ علم الاجتماع ان
تونس تستعيد أنفاسها معربا عن الأمل في التوصل إلى إرساء ديمقراطية
مؤسساتية في البلاد.