استثمارات بمليارات الدولارات في الخارج
هكذا تشتري قطر العالمبالرغم من أن إمارة قطر تعد إحدى أصغر الدول العربية نظرا إلى مساحتها وأصغر دولة من حيث عدد السكان، فإنّ حضورها الاقتصادي
والدبلوماسي اليوم بات ملفتا للانتباه فهذه الإمارة الصغيرة بدأت فعليا بشراء العالم.. تستثمر قطر أموال الغاز الطائلة في كل المجالات من صناعات ثقيلة وتحويلية إلى دور الأزياء الشهيرة وفرق كرة القدم الكبرى.. فلا يبدو أن شيئا يستطيع أن يقف أمام نفوذها المالي المتصاعد.
في تقرير نشرته مجلة «لوبوان» الفرنسية، تظهر الدوحة كمن أحكم سيطرته على مفاتيح مغارة «علي بابا»، حتى أن المجلة تنقل عن أحد رجال الأعمال القطريين قوله إنّ الإمارة باتت تمتلك اليوم «نصف إيطاليا ونصف اسبانيا وبصدد تحقيق خطوات مماثلة في فرنسا». مما دفع عددا كبيرا من الكتاب الفرنسيين إلى القول بأنّ قطر «تشتري أوروبا قطعة قطعة».
من الأزياء إلى المستديرة الساحرةباختصار تشتري قطر كل مظاهر النجاح في العالم، فمجال العقارات والرياضة والإعلام والصناعة والفن والموضة ليست إلا ملاعب يتقن القطريون بفضل ملايين الدولارات التي تدون على شيكاتهم من تركيز استثماراتهم فيها، فيعرضون المبالغ الطائلة لشراء اية مشاريع ناجحة، فقد أحكمت قطر قبضتها مؤخرا على أحد أشهر دور الأزياء في إيطاليا، إذ أصبح بيت الأزياء الإيطالي فالنتينو ملكا لقطر بعد صفقة مقابل 857.5 مليون دولار. كما باتت تمتلك عديد أندية كرة القدم في العالم فبعد أن اشترت قطر فريق «مالاغا» الاسباني، اشترى صندوق قطري العام الماضي فريق «باريس سان جرمان». كما تمكنت من الحصول على تنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022. وتسعى اليوم إلى شراء فريق «البرصة» بعد أن تحصلت على حقوق كتابة اسم منظمة قطر على قمصان لاعبي الفريق الكتلوني.
وفي نهاية جوان الماضي اشترت قطر اربعة نزل فرنسية. أما عن استثماراتها في مجال السيارات فحدث ولا حرج، إذ تمتلك 17 بالمائة من رأسمال «فولكسفاغن» و10 بالمائة من «بورش». وتشير صحيفة «لوموند» الفرنسية إلى أنّ قطر تعتبر أول مشترٍ في سوق التحف في العالم. كما أنها تمتلك حصة في عملاق التعدين «اكستراتا»، وشركة المنتجات الفاخرة «ال في أم اتش»، وفي شركات نفط مثل شركة «رويال داتش شيل» وشركة «توتال» الفرنسية. حتى أنّها اقتنت المبنى الذي يضم صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.
كما لم يفلت من «براثن» قطر المالية، أطول برج في أوروبا وهو برج «شارد» بلندن والذي تم افتتاحه قبيل الألعاب الأولمبية إذ تمتلك شركات استثمارية قطرية 95 بالمائة منه. كما تملك 7.1% من مصرف «باركليز» و20% من بورصة لندن، وحصصاً في شركات إنتاج الغذاء، كما تواصل شراء شركات أخرى. وأشار موقع «هوتيل نيوز ناو» الأمريكي إلى أن الدوحة تعد من المستثمرين المفضلين الذين تقدموا بعروض قوية للاستحواذ على فنادق ماريوت في بريطانيا، التي يقدر عددها بحوالي 42 فندقاً، وذلك في صفقة تقدر قيمتها بحوالي 1.1 مليار دولار أمريكي. وقد استثمرت مليار دولار في مناجم ذهب باليونان. تمتلك في إسبانيا مصرف «سبانيش بنك» وشركات في قطاع الطاقة.
من أوروبا إلى العالمليست أوروبا فقط ملعب قطر الاقتصادي، إذ تعمل الإمارة الصغيرة على توجيه أذرعها المالية حيثما ازدهرت صناعة أو نجحت فكرة، فقد قامت بشراء 5% من بنك «سانتاندر» البرازيلي، وهو أكبر مؤسسة مالية في أمريكا اللاتينية، كما اشترت استوديوهات «ميراماكس» التابعة لديزني، واستثمرت مليار دولار في إندونيسيا. وفي الولايات المتحدة تملك قطر حصصاً في صناديق استثمارات وشركات إنتاج سيارات كـ»جنرال موتورز» وشركة إنتاج سينمائية. كما استثمرت في أستراليا، وفي آسيا وإفريقيا في المجال العقاري خاصة عبر منتجعات سياحية وسكنية وأراضٍ صالحة للزراعة.
ا
لدبلوماسية الاقتصادية في الوطن العربيقطر التي توصف بأنّها أبرز المستفيدين من الثورات العربية، لم تفوت فرصة توسيع امبراطوريتها المالية نحو العالم العربي بعد الدور الدبلوماسي الهام الذي لعبته في المراحل الانتقالية. في مصر قررت أن تضخ الإمارة 10 مليار دولار كما عبرت عن اعتزامها على استثمار نفس المبلغ في تونس على امتداد 10 سنوات وصل منها تونس إلى حد اليوم 500 مليون دولار. وتملك قطر مجمعات سكنية، سياحية وتجارية في مصر ، وتونس والمغرب، وفلسطين وسوريا، كما اشترت مصرفاً لبنانياً في 2007، وتملك في الأردن صندوق استثمارات.
الذهب الأزرق يفسر عدد من الخبراء سعي قطر إلى الاستثمار في مجالات مختلفة انطلاقا من تخوف القطريين من انتهاء الذهب الأزرق أو الغاز الذي يعد سر طفرتها الاقتصادية، هذا إلى جانب ضعف حضورها العسكري مما يعني أنهم يعتمدون بالأساس على الحضور الاقتصادي والإعلامي القويين، فهم استطاعوا بالمال تحقيق ما لم تحققه لهم الأبعاد الاستراتيجية التقليدية مثل الثقل الديمغرافي، والعمق الاستراتيجي أو القوة السعكرية. وبالرغم من ان بدايات استغلال الغاز القطري اصطدمت بانهيار أسعار برميل النفط عام 2000، لكنّ إحدى أغنى البلدان في العالم اليوم تدين بثروتها الطائلة لشركة «توتال» التي وافقت على تقديم تسبقة نقدية لها آنذاك. بعدها بدأ سحر الغاز يظهر وأصبحت قطر ثاني منتج للغاز الطبيعي في العالم وبدأت بعد ذلك رحلة تكديس الأموال.. وحسب صندوق النقد الدولي تقدر قيمة أصول الهيئة الاستثمارية القطرية اليد المالية الضاربة لقطر 210 مليار دولار في 2012. وتستثمر هذه الأصول في أكثر من 39 بلداً حول العالم.
كما استفاد الاقتصاد القطري من الأزمة المالية التي ضربت اقتصاديات العالم عام 2007 و2008 إذ توجهت صناديق المال العالمية نحو الخليج، لتحصيل السيولة واستغلت قطر الفرصة، خاصة أن صناعتها الغازية وصلت للقمة في ذلك الوقت.
استعراض عضلاتيرى المختص في شؤون الشرق الأوسط من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية دينيس بوشار أنّ «استراتيجية قطر الاستثمارية تقوم على البحث عن القوة السياسية». فأغلب استثمارات «الغازودولار» في الخارج ترتبط بالبحث عن تحقيق نفوذ سياسي ودبلوماسي. ويرى عدد من المحللين إلى أن إبرام هذا العدد الهائل من صفقات الاستحواذ على أصول عالمية بمثابة استعراض لتنامي نفوذ قطر في العالم خاصة في القطاع الاقتصادي. وقد قال حمد عبد الله الملا، المدير التنفيذي لشركة كتارا «تمثل صفقات الاستحواذ لهذه العقارات البارزة وإضافتها إلى محفظتنا الاستثمارية خطوات متوافقة مع خطط الشركة التوسعية على الصعيد العالمي».
ويرى عدد من المستثمرين أن صفقات الاستحواذ التي تبنتها قطر في الآونة الأخيرة تشير إلى أن قطر تركز على استثمارات استراتيجية طويلة الأجل ومنخفضة المخاطر في دول آمنة ومستقرة من الناحية الاقتصادية. أما رئيس تحرير «لي إيكو» الفرنسية ديفيد بارّوكس فيعتبر «طموح هذا البلد الذي يحيط به جيران يشكّلون تهديدا هو استعمال سلاحه المالي لشراء حلفاء، غير مبال في سبيل ذلك بقواعد اقتصاد السّوق، فمن حق منافسيه أن يقلقوا ويهاجموا».
«شراء حلفاء»، دعم الحضور السياسي، تأمين مستقبل الإمارة في وقت من المتوقع أن ينفد فيه الغاز القطري في غضون 50 عاما، كلها عوامل يمكن أن تفسر تنامي أذرع قطر المالية والاستثمارية التي تبدو قادرة على الوصول إلى أي مكان.. قطر تشتري العالم اليوم ولا يبدو أن شيئا يمكن أن يقف أمام سيل الاستثمارات القطرية..
قطر في أرقام- تبلغ مساحة قطر 11,521 ألف كيلومتر مربع.
- يبلغ عدد سكانها نحو 1.800.000 ساكن منهم نحو 250 ألف قطري فقط.
- يعد الجيش القطري 11 ألف فرد.
- أصول الهيئة الاستثمارية القطرية 210 مليار دولار.
- الناتج الفردي الخام يقدّر بـ102700 دولار.
- تعتبر ثاني أغنى دولة في العالم بعد اللوكسنبورغ حسب الناتج الفردي الخام.
أروى الكعلي
الصباح الاسبوعي 6/8/2012