الاعتدال في السلوك الديني

ندوة الاعتدال في السلوك الديني

دعوة لإعادة قراءة تاريخنا الديني



نظمت
الرابطة التونسية للتسامح عشية السبت الماضي بدار الثقافة ابن خلدون ندوة
فكرية موضوعها «الاعتدال في السلوك الديني» حاضر خلالها الدكتور مراد
الرويسي عن «التعددية في الإسلام والاعتدال في القرآن» والباحث الجامعي
الحبيب النهدي عن البدعة وآلياتها والأستاذ محمد القوماني عن الاجتهاد
والتجديد ونشطها الأستاذ صلاح الدين المصري.

خلال وضعه للندوة في إطارها تحدث رئيس الرابطة التونسية للتسامح صلاح الدين المصري عن الظروف التي تكونت فيها وعن أهدافها وما يطمح إليه أعضاؤها وقال: « نحن نعتبر التسامح مدخلا أساسيا لترسيخ حالة الحوار والنقد وتبادل الاعتراف بين الجميع ونشر ثقافة الاختلاف كما أننا تستلهم قيمة التسامح من التراث الإنساني والبشري الذي اكتمل عندما تم الإعلان عن يوم عالمي للتسامح 16 نوفمبر من كل سنة 1995 ونستلهم كذلك من تراث الحضارة الإسلامية التي تجسد التسامح في أبهى صوره مع روح العفو والاعتراف بالآخر في سيرة الرسول.»

ولان التونسي الذي ثار على الظلم والاستبداد وأنجز ثورة لم تكتمل بعد فان هذا الثائر يحتاج إلى ثقافة التسامح والأخوة حتى تعمق الثورة الوحدة الوطنية والانتماء إلى الوطن حتى لا تتحول الانتماءات الفرعية إلى انتماء أصلي يطغى على الانتماء الوطني وحتى يكون الانتماء منفتحا معتدلا وليس منغلقا متشددا كان لا بد للرابطة من الاعتماد على المحاضرات الفكرية والورشات التعارفية لترسيخ قيمة التسامح ومقاومة نزعات التعصب والعنف ومشاعر الحقد والكراهية.

خلال الندوة تم التحاور والتساؤل حول عوامل ومظاهر الاعتدال الديني وعلاقته بالتعددية في قراءة الإسلام وفهمه وتأويله.

التسامح بين المسلمين أنفسهم

وأكد الدكتور مراد الرويسي خلال محاضرته عن «التعددية في الإسلام « أن للتعددية مظاهر عديدة دينية وعرقية ولغوية والثقافية وان الدين الإسلامي يعترف بالديانات السابقة ويقر بحقها في الوجود وقال أن هذه التعددية تفتح المجال للتسامح مع غير المسلمين ومع المسلمين في ما بينهم. وقال:» إن التعددية الدينية تتمثل في جمع الدين الإسلامي مثلا بين أمرين الأول الاعتزاز الشديد بالدين والثاني الإقرار بوجود ديانات أخرى وسماحه لها في أن ( تتواجد) وتمارس على ضلالتها وخطئها ويتأكد هذا التوجه في سورة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) في الآية (..لكم دينكم ولي ديني ). «وتفيد هذه السورة كذلك ودائما حسب ما استشهد به الدكتور مراد الرويسي التسامح والسماحة في الإسلام بين المسلمين أنفسهم ومع غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى.

وقد جاء أيضا في المحاضرة أن القتال مثلا له علاقة بالعدل لا بالمعتقد والهدف هو تحقيق العبودية الاختيارية لا العبودية القهرية وقال انه لا إكراه في الدين من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر لان الهدف الأساسي هو ان يأتي الإنسان إلى ربه طائعا مختارا.

وحذر الدكتور مراد الرويسي في نهاية مداخلته من أن نكون مصداقا لقول الله تعالى في سورة الأعراف 28: («وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُون»َ ) خاصة وان القرآن حذرنا من أخطاء الأمم السابقة وخاصة أهل الكتاب .

كثرة الفقهاء وقلة المفكرين

وتساءل المحاضر الحبيب النهدي في بداية محاضرته لماذا لا نستطيع أن نجد أرضية موحدة تجمع التونسيين في ظل اختلافهم .

ورأى انه لا بد أن نعيد قراءة تاريخنا الديني بما يجعلنا نعود إلى الشخصية القاعدية وان نراجع علاقتنا بالعرف والعادة والتقاليد وقد أبدى أسفه لأننا كمسلمين لم نعر قيمة للتصوف والمتصوفين ولم نستلهم من تجاربهم وعلمهم بل تمسكنا ومازلنا- بالشرع وذكّر بسير آبي الحسن الشاذلي التي قاوم بها الحاكم الظالم وقال أن ما نراه اليوم بعد الثورة من تجاذبات وفوضى سببه علاقة الصراع بين الحداثة والتدين وقال إن الحداثة في ظل الاستبداد كانت صراعا ضد أشكال التدين وفي تحليله لظاهرة الانتحار قال النهدي أنها على علاقة وطيدة برفض الاستبداد وهي تعبير عن ضعف واهتزاز نفسية التونسي وشعوره بقلة الحيلة.

ولاحظ محمد القوماني في محاضرته «من الاجتهاد إلى التجديد» إن الدين كان دائما ضد الدين، دين الأنبياء ضد دين الطواغيت وقال إن النمطية في التفكير ليست حجة على الناس وان مصطلح الاجتهاد يعني بذل أقصى جهد عقلي لاستنباط حكم من مصدره والاجتهاد يجعل الدين صالحا لكل زمان ومكان وان العلماء هم الورثاء الشرعيون للأنبياء.

وقال القوماني أن الطرح التشريعي للإسلام واقتصار الاجتهاد على المجال التشريعي يتناقض مع الإسلام في كونه موجه إلى الإنسان والبشرية وأضاف :«إن البعد الإنساني والعالمي للإسلام هو الذي يعطيه التجدد وإذا حصرناه في التشريع جعلناه دينا محليا أو قوميا.»

بين التجديد والتبديع

واقترح المحاضر التجديد لأنه وثيق الصلة بالماضي ولكن ليس لجعل هذا الماضي عبئا على الحاضر أو متسلقا على العصر وأكد الباحث انه بالتجديد يمكن أن نعالج القضايا الجديدة التي تطرح علينا. وان التجديد اليوم يساهم في المعرفة البشرية وهو مطلوب لكي ينسب المسلمون تراثهم ويفهموا تاريخهم وتراثهم ليتحرروا منه.

حصة النقاش شارك فيها عدد كبير من المتدخلين أثنى بعضهم على المحاضرات وأضاف لها توضيحات وقراءات ورؤى أخرى مثل الأستاذ علي منجور الذي دعا إلى مطالعة الماوردي واكتشاف كتابات الإمام علي زين العابدين الملقب بالسجاد. وتأسف لكثرة ما لدينا من فقهاء ولقلة ما عندنا من مفكرين .

وألقى البعض الآخر أسئلة وقد سال زهير مخلوف عن الحركة الوهابية وتصورها للإسلام الوسطي والتجديد ورأى الشاعر البحر ي العرفاوي أن عنوان الندوة «الاعتدال في السلوك الديني» يحتاج إلى المراجعة لأنه يرى أن السلوك غير مرتبط بديانة أو فلسفة وإنما بطبائع وقال:» السلوكات مرتبطة بطبائع النفوس لا بالنصوص».

وقد رأى القوماني في ردوده أن في مثل هذه النماذج من الندوات تكريس للتسامح والاعتدال في السلوك لان السلوك في النهاية تعبير عن فهم وفكر ووعي علما بان قلة العلم تولد التعصب. وقال إن التبديع يتضارب مع التجديد والذي يبدّع بدون مقاييس دقيقة يكون مناهضا للتجديد والتفكير الوهابي ليس مشجعا على التجديد بل هو احد معوقاته.

علياء بن نحيلة/الصباح 5/7/2012