هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةدعاءأحدث الصورالتسجيلدخول
التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية Support
التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية Oooo10 التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية Oooo210

 

 التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ghazzaa
إدارة المنتــدى
ghazzaa


عدد المساهمات : 1056
النشاط : 29
تاريخ التسجيل : 19/07/2011


التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية Empty
مُساهمةموضوع: التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية   التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية Icon_minitime2012-06-16, 16:32


التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية
2012/05/10 - د‮.‬عبد الله السيد ولد اباه*
التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية 129

برزت في‮ ‬العقدين الماضيين عدة محاولات لصياغة مشروع ثقافي‮ ‬عربي‮ ‬بديل من المنظومات الإيديولوجية التي‮ ‬هيمنت على الأرضية الثقافية العربية منذ بدايات منتصف القرن العشرين‮.‬

أولاً‮: ‬الربيع الليبرالي‮ ‬والمشروع الثقافي‮ ‬العربى‮:‬

يمكن في‮ ‬هذا الباب أن نميز بين ثلاث صياغات بارزة‮:‬


‮-‬الصياغة الابستمولوجية النقدية التي‮ ‬أخذت شكل مشاريع نقدية للتراث من منطلق تجديد العقل العربي‮ (‬أو الإسلامي‮) ‬وإعادة بناء أسسه النظرية من أجل دفع شروط النهوض والتحديث‮ :‬أعمال محمد عابد الجابري‮ ‬في‮ ‬مشروع‮ "‬نقد العقل العربي‮"‬بأجزائه الأربعة التي‮ ‬ختمت بمنهج لتفسير القران الكريم،‮ ‬وعبد الله العروي‮ ‬بنقده الأيديولوجي‮ ‬التاريخاني‮ ‬للثقافة العربية‮ ‬ومحمد أركون في‮ ‬مشروعه لنقد العقل الإسلامي‮ ‬من منظور‮ "‬الاسلاميات المطبقة‮"‬،‮ ‬وحسن حنفي‮ ‬في‮ ‬مشروعه الضخم الذي‮ ‬دعاه‮ "‬التراث والتجديد،‮"‬ونصر حامد أبو زيد في‮ ‬مشروعه التأويلي‮ ‬الساعي‮ ‬لبناء هرمينوطيقا إسلامية جديدة‮....) (‬1‮)‬


‮-‬الصياغة الأيديولوجية التي‮ ‬أخذت شكل إعادة تصور وتجديد المشروع الحضاري‮ ‬العربي‮ ‬من خلال المراجعة النقدية لأهدافه ومنطلقاته والعمل على إيجاد مرجعية جديدة للعمل القومي‮ ‬تضم المكونات الأساسية لتيارات الأمة؛ أي‮ ‬الاتجاهات الليبرالية والإسلامية والقومية والإسلامية‮ (‬المؤتمر القومي‮ ‬العربي‮ -‬المؤتمر القومي‮ ‬الإسلامي‮...).‬


‮-‬الاستراتيجيات الثقافية‮ ‬التي‮ ‬تمت على‮ ‬يد بعض المنظمات الإقليمية‮ (‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‮ ‬بتونس،‮ ‬والمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالرباط‮..) ‬في‮ ‬سياق الادبيات التنموية التي‮ ‬ركزت على الثروة البشرية والقيم الإنسانية في‮ ‬النهوض الثقافي‮ ‬في‮ ‬اطار المراجعة المفهومية الكبرى التي‮ ‬قامت بها المؤسسات التنموية الدولية لمفهوم التنمية بإخراجه من نطاق النمو الاقتصادي‮ ‬الكمي‮ ‬الى السياق الثقافي‮ ‬الاجتماعي‮ ‬الأوسع‮ (‬مثل نظريات العدالة التوزيعية،‮ ‬والحكامة الرشيدة،‮ ‬وصناعة المعرفة‮....). ‬


ومن الواضح ان هذه الصياغات الثلاث على اختلاف توجهاتها وأهدافها ومضامينها الفكرية تلتقي‮ ‬في‮ ‬نقطتين محوريتين هما‮ :‬تكريس قيمة الحرية إطارا ناظما لمشروع التجديد والنهوض،‮ ‬ وإعادة بناء مفهوم الهوية في‮ ‬اتجاه منفتح على قيم التعددية والاختلاف‮ .‬


بيد أن المشروع الثقافي‮ ‬العربي‮ ‬في‮ ‬اتجاهاته التي‮ ‬رصدنا لها‮ ‬،‮ ‬وان انتبه بقوة الى ثغرات ونقائص البنية الثقافية السائدة‮ ‬،‮ ‬فإنه مال في‮ ‬الغالب الى بلورة خط الإصلاح الداخلي‮ ‬المتدرج في‮ ‬قطيعة مع أدبيات الثورة الراديكالية التي‮ ‬طبعت خطاب الأيديولوجيا العربية في‮ ‬الخمسينيات والستينيات‮.‬


ثانيا‮ : ‬من الثورة إلى الإصلاح‮ (‬مأزق التغيير السياسي‮ ‬السلمي‮) :‬

لقد تراجع مفهوم‮ "‬الثورة‮" ‬في‮ ‬السجل الثقافي‮ ‬لأسباب ثلاثة أساسية هي‮ :‬


أولا:انهيار المشاريع الثورية العربية التي‮ ‬قادها‮ "‬الضباط القوميون‮" ‬أثر فشلها في‮ ‬إحداث‮ ‬التغييرات الجذرية على الوضع الاجتماعي،‮ ‬بل إن اغلبها انتهى إلى إعادة بناء شبكة الولاءات القبلية والطائفية والاستناد اليها في‮ ‬التشبث بالحكم‮ ‬،‮ ‬رغم الشعارات الثورية التقدمية المرفوعة‮.‬


ثانيا:انحسار الزخم المعرفي‮ ‬والرمزي‮ ‬لمقولة‮ "‬الثورة‮" ‬في‮ ‬المدونة الفلسفية والاجتماعية العالمية إثر المراجعات النقدية المتواصلة للفكر الماركسي‮ ‬وبروز نماذج جديدة في‮ ‬العلوم الإنسانية تركز على التاريخ اللاحدثي‮ ‬والثوابت البنيوية والأنساق المغلقة‮...‬


ثالثا:جمود حركة التغيير الداخلي‮ ‬وإظهار الأنظمة التسلطية العربية قدرة متزايدة على البقاء والتماسك على الرغم من استفحال الأزمات السياسية والاجتماعية‮ ‬،‮ ‬بالإضافة الى تراجع دور المؤسسة العسكرية في‮ ‬قلب الأوضاع السياسية‮ ‬،‮ ‬مما فرض على الفاعلين المختلفين التكيف مع الموازين القائمة‮ .‬
وهكذا أصبح مفهوم‮ "‬الإصلاح‮" ‬هو البديل النظري‮ ‬والأيديولوجي‮ ‬من مقولة‮ "‬الثورة‮". ‬لا‮ ‬يعني‮ ‬الإصلاح‮ ‬هنا المفهوم الذي‮ ‬اعتمده سراة الفكر النهضوي‮ ‬العربي‮ ‬في‮ ‬نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين الذي‮ ‬يتلخص في‮ ‬مقولة‮ "‬التمدن‮" ‬أي‮ ‬التقدم الاجتماعي‮ ‬والأخذ بأسباب القوة‮ ‬العلمية(رفاعة الطهطاوي،‮ ‬وخير الدين التونسي،‮ ‬ومحمد عبده،‮ ‬وجمال الدين الأفغاني‮ .... ).‬
للإصلاح في‮ ‬مفهومه الجديد دلالتان مترابطتان‮ :‬إطلاق الحريات العامة،‮ ‬واحترام حقوق الإنسان من جهة،‮ ‬وتفعيل منزلة المجتمع المدني‮ ‬في‮ ‬التحديث الاجتماعي،‮ ‬وحراسة القيم الإنسانية الكونية من جهة أخرى‮.‬


ومن الواضح أن زمنية الإصلاح ليست هي‮ ‬زمنية التغيير الفجائي‮ ‬الجارف وإنما زمنية التحول المتدرج البطئ،‮ ‬الذي‮ ‬يأخذ شكل الإجماع التوافقي،‮ ‬ويعتمد آلية الخطاب التداولي‮ ‬المفتوح‮ .‬


ثالثا‮ ‬ً‮ : ‬ثورات بدون أيديولوجيا‮ ‬
تبين من خلال رصد الحركات الاحتجاجية العربية أنه من الصعب صياغة مطالب الشباب الثائر في‮ ‬مشاريع سياسية أو رؤى‮ ‬أيديولوجية منسجمة‮ .‬


وما‮ ‬يبدو راهنا من صعود للأيدلوجيا الإسلامية بحسب معايير الحضور الانتخابي‮ ‬والإعلامي‮ ‬والتحشيدي‮ ‬ليس مؤشرا على انتصار هذا اللون الأيديولوجي‮ ‬على‮ ‬غيره من ألوان الطيف الأيديولوجي‮ ‬العربي‮.‬
فما نلمسه هو تشتت الأرضية الإسلامية الى اتجاهات وتيارات متباينة ليس بمقدور أي‮ ‬منها احتكار الشرعية الدينية،‮ ‬ولا فرض خيار مجتمعي‮ ‬بعينه على ساحة معقدة‮ ‬يطبعها التنوع‮ ‬،‮ ‬مما حدا بالكاتب والخبير الفرنسي‮ ‬أوليفييه روا الى اعتبار عصر الثورات العربية نقطة تحول للدخول في‮ ‬عصر‮ "‬ما بعد الحركية الإسلامية‮".‬postislamisme‮ (‬2‮). ‬إن ما نشهده راهنا هو انقسام التيارات الإسلامية إلى ثلاثة تيارات لا‮ ‬ينبغي‮ ‬الخلط بينها‮ :‬تيار أصولي‮ ‬متشدد رافض لمكاسب التنوير والحداثة من منطلق الهوية والخصوصية‮ (‬على‮ ‬غرار الأصولية الكاثوليكية والإحيائية البروتستانية‮)‬،‮ ‬وتيار‮ ‬يساري‮ ‬بمرجعية إسلامية‮ (‬على‮ ‬غرار مجموعات لاهوت الثورة في‮ ‬الكنيسة الكاثوليكية اللاتينية‮ )‬،‮ ‬وتيار ليبرالي‮ ‬محافظ هو وحده القابل لمقاييس وقواعد الديمقراطية التعددية‮ :‬أي‮ ‬فكرة الفرد الحر المسؤول عن خياراته في‮ ‬الشأن العمومي‮ .‬ليس الإشكال إذاً‮ ‬في‮ ‬الاستناد لمرجعية دينية في‮ ‬تحديد المقومات الثقافية والقيمية للهوية الجماعية كما هو شأن العديد من الديمقراطيات الغربية التي‮ ‬تعترف دستوريا بديانة رسمية للدولة كبريطانيا والدنمارك وايسلندا واليونان والأرجنتين‮....‬فالمهم أن لا تصطدم المرجعية الدينية بالمدونة العامة لحقوق الإنسان،‮ ‬وبنظام الحريات الجوهرية الذي‮ ‬هو الأساس المشترك للتقليد الليبرالي‮.‬ولا شك أن بعض الحركات الإسلامية لا تزال عاجزة عن دفع الاستحقاقات النظرية والاجتهادية للمرور من النمط الأصولي‮ ‬الى النمط الليبرالي‮ ‬التعددي‮ ‬الذي‮ ‬نجحت فيه‮ ‬الحركة الإسلامية التركية‮ (‬حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عقد كامل‮ ).‬


وما تبينه التجربة الغربية‮ ‬،‮ ‬هو أن لكل التشكيلات الفكرية والأيديولوجية حق التنظيم والتعبير في‮ ‬المجتمعات الديمقراطية بما فيها التيارات المعادية لليبرالية طالما ابتعدت عن العنف واحترمت قوانين التعددية‮ .‬وما نلمسه اليوم في‮ ‬مصر وتونس وليبيا بعد الثورات الأخيرة‮ ‬من قيام أحزاب سلفية مؤشرا إيجابيا‮ ‬،‮ ‬حتى ولو كانت هذه التنظيمات متطرفة في‮ ‬فكرها وغير قادرة على التكيف مع قيم الحداثة السياسية وان قبلت شكلياتها الإجرائية‮.‬


لم تعد أي‮ ‬حركة قادرة على احتكار اللون الإسلامي‮ ‬،‮ ‬ومن شأن هذه التعددية أن تفتح آفاقا جديدة لنمط الليبرالية المحافظة ضمن المرجعية الإسلامية‮ .‬
في‮ ‬مقابل الصعود الإسلامي‮ ‬الظاهر،‮ ‬نلمس تراجعا جليا للتيار الليبرالي‮ ‬في‮ ‬المواقع الانتخابية‮ ‬،‮ ‬بحيث انهارت التشكيلات الليبرالية العريقة‮ ‬،‮ ‬بما فيها تلك التي‮ ‬ارتبطت بحركات التحرر الوطنية،‮ ‬وبالديناميكية التحديثية‮ .‬


في‮ ‬مصر‮ ‬،‮ ‬انهار حزب الوفد الذي‮ ‬قاد منذ بدايات القرن الماضي‮ ‬حركية المقاومة وبناء الدولة الحديثة‮ ‬،‮ ‬ولم تحصل الكتلة الليبرالية في‮ ‬مجملها إلا على مكاسب هزيلة في‮ ‬الانتخابات التي‮ ‬نظمت في‮ ‬نهاية سنة‮ ‬2011.
حدث الأمر ذاته في‮ ‬تونس‮ ‬،‮ ‬فشل التحالف الليبرالي‮ ‬الذي‮ ‬قاده المحامي‮ ‬اللامع‮ "‬أحمد نجيب الشابي‮" ‬في‮ ‬انتزاع مواقع هامة في‮ ‬الاقتراع الذي‮ ‬فازت فيه حركة‮ "‬النهضة‮" ‬الإسلامية،‮ ‬على الرغم من تجذر وعمق التجربة التحديثية في‮ ‬تونس.كما سجل الاتجاه نفسه في‮ ‬المغرب بتقهقر‮ "‬الاتحاد الاشتراكي‮ ‬للقوات الشعبية‮" ‬حزب النخب الليبرالية الذي‮ ‬ارتبط بحركية النضال الوطني‮ ‬ضد الاستعمار،‮ ‬وبالكفاح السياسي‮ ‬الطويل من أجل الديمقراطية‮.‬


كيف‮ ‬يمكن تفسير ظاهرة تراجع التيار الليبرالي‮ ‬في‮ ‬تلك الاستحقاقات الانتخابية الحرة الأولى التي‮ ‬عرفتها البلدان العربية في‮ ‬مقابل صعود الاتجاهات الإسلامية التي‮ ‬كانت القوة الأيديولوجية والسياسية المستفيدة من الربيع العربي؟


يتعين منذ البداية الإقرار أن صانعي‮ ‬الثورات العربية لم‮ ‬يكونوا في‮ ‬غالبهم من المنتمين أيديولوجيا وتنظيميا للتيار الإسلامي،‮ ‬بل كانوا أقرب في‮ ‬شعاراتهم وممارساتهم الاحتجاجية للاتجاه الليبرالي،‮ ‬حتى ولو كان للتنظيمات الإسلامية حضورها الذي‮ ‬لا‮ ‬ينكر في‮ ‬هذا الحراك‮.‬


قد‮ ‬يذهب البعض في‮ ‬تفسير انهيار التيار الليبرالي‮ ‬العربي‮ ‬إلى إحدى مقاربتين‮:‬
أولاهما‮:‬اعتبار المجتمع العربي‮ ‬غير مهيأ ثقافيا للفكر الليبرالي،‮ ‬إما لغلبة الأنساق العقدية الدينية المحافظة أو لهيمنة السلطة الأبوية والبنيات القرابية والطائفية التي‮ ‬تعيد إنتاج أشكال التفاوت والتراتب السابقة على القيم الديمقراطية التعددية والمعيقة لاستنباتها وتجذيرها في‮ ‬الأرضية المحلية‮.‬
من هذا المنظور ليس‮ "‬المطلب الديمقراطي‮" ‬حاجة موضوعية في‮ ‬النسق الاجتماعي‮ ‬،‮ ‬بل إن‮ "‬المطلب الاستبدادي‮"(‬حسب عبارة عالم الاجتماع الموريتاني‮ ‬عبد الودود ولد الشيخ‮) ‬هو الخلفية المؤطرة للمجال السياسي‮ ‬العربي‮.‬وبغياب الأفق الليبرالي‮ ‬كخلفية فكرية ومجتمعية‮ ‬يتحول الرهان الانتخابي‮ ‬القائم على احتساب موازين القوة الاجتماعية إلى أرضية ملائمة لصعود وانتصار التيارات الدينية‮.‬


ثانيتهما‮:‬الاستناد إلى تجربة الثورات الحديثة الكبرى‮ (‬الفرنسية والأمريكية‮...) ‬للتدليل على أن منطق التحول السياسي‮ ‬في‮ ‬العهود ما بعد الثورية‮ ‬يقتضي‮ ‬المرور بمراحل انتقالية من الفوضى والنظم الراديكالية المتطرفة،‮ ‬وصولا في‮ ‬نهاية المطاف إلى حقبة الديمقراطية التعددية المستقرة القائمة على الخلفية الفكرية الليبرالية‮.‬


تقوم المقاربتان معا على مصادرة‮ "‬تخلف‮ " ‬المجتمع العربي‮ ‬وعدم نضجه للبناء الديمقراطي،‮ ‬واعتبار الثقافة الليبرالية الإطار النظري‮ ‬العضوي‮ ‬للنظام الديمقراطي‮.‬
وبغض النظر عن الإشكالات النظرية العديدة التي‮ ‬يطرحها هذا التصور،‮ ‬فإنه مما لا شك فيه أنه‮ ‬يقود إلى متاهات مسدودة‮ .‬فما هو البديل من الاستحقاق الانتخابي‮ :‬هل هو الديكتاتوريات العسكرية التي‮ ‬فشلت طيلة العقود الطويلة السابقة في‮ ‬تحقيق مشروع التحديث القسري،‮ ‬أم هو تمديد المراحل الانتقالية لتهيئة الأرضية الملائمة للديمقراطية الليبرالية عبر خلق ثقافة بديلة،‮ ‬وإحداث خلخلة عميقة للبنيات الاجتماعية؟


إن ما نريد أن نبينه هنا إن علاقة الثقافة الليبرالية بالديمقراطية التعددية ليست بالتلقائية أو العضوية.فالأفق الليبرالي‮ ‬هو أفق الحرية الذاتية والفردانية الحرة‮ ‬،‮ ‬والديمقراطية التعددية هي‮ ‬آلية للتنظيم السياسي‮ ‬تعكس موازين القوة داخل مجتمع ما بغض النظر عن نمط تركيبته الاجتماعية ومستواه التحديثي،‮ ‬ولقد سبقت الأفكار الليبرالية والتنويرية النظم الديمقراطية بقرنين ولم تتأقلم معها بسهولة‮.‬


ومأزق الليبرالي‮ ‬العربي‮ ‬راجع إلى عقدة مستحكمة‮ ‬في‮ ‬التعامل مع الحقائق الاجتماعية تتلخص في‮ ‬مصاعب التوفيق بين السردية الكونية للحداثة الليبرالية وإكراهات الواقع العيني‮ ‬التي‮ ‬تقتضي‮ ‬تسويات مرحلية وأنماطا من التكيف والتأقلم مع الثقل الاجتماعي‮ ‬والثقافي‮. ‬لقد قادت هذه المصاعب جيلا كاملا من الليبراليين العرب إلى الاصطفاف إلى جانب الأنظمة الديكتاتورية سعيا لفرض صنوف التحديث الثقافي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬بأدوات القهر والتسلط،‮ ‬مما أفقده حبال الوصل مع القاعدة الشعبية العريضة دون أن‮ ‬يتحقق في‮ ‬الغالب المكسب المقصود‮.‬


وهكذا كان من الطبيعي‮ ‬أن‮ ‬يدفع هذا الجيل ثمن أخطائه الاستراتيجية،‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬فازت عليه التيارات الأيديولوجية التي‮ ‬عانت من قمع وبطش الأنظمة الديكتاتورية المنهارة‮.‬
بيد أن هذه النتيجة‮ ‬يجب أن لا تقرأ بصفتها هزيمة للأفكار والقيم الليبرالية،‮ ‬وانتصارا للتقاليد والمعايير الماضوية البالية.فغني‮ ‬عن البيان أن الشعارات والمفاهيم الليبرالية هي‮ ‬التي‮ ‬حركت وأطرت الحركات الاحتجاجية الشبابية وليس المقولات التراثية أو العقدية الدينية‮.‬


ولم‮ ‬يستقطب التيار الإسلامي‮ ‬الجديد الشارع الثائر إلا بتأقلمه مع التصورات الليبرالية وتعهده بحمايتها حتى في‮ ‬جوانبها الشخصية الفردية.ولم‮ ‬يفتأ قادة الأحزاب الإسلامية المنتصرة في‮ ‬تونس والمغرب‮ ‬يكررون أن مشروعهم سياسي‮ ‬وليس دينياً،‮ ‬ولا دخل لحريات الأفراد الشخصية فيه‮ ‬،‮ ‬ولا إقصاء فيه لأي‮ ‬لون سياسي‮ ‬أو أيديولوجي‮.‬


فالذي‮ ‬حدث هو تشبع الحقل السياسي‮ ‬بالقيم الليبرالية بما فيه التشكيلات الإسلامية التي‮ ‬أصبحت مضطرة‮ ‬– ‮ ‬أو برضاها‮ ‬ – للتقوقع داخل الشرعية الليبرالية بدل الاكتفاء بالاتكاء على خطاب الهوية الدينية‮.‬
لم تنهزم الليبرالية العربية،‮ ‬بل كسبت مواقع قوية وفرضت نفسها على مختلف الفاعلين السياسيين بمن فيهم الإسلاميون،‮ ‬وإنما انهزم الليبراليون العرب الذين توهموا أن القيم الليبرالية مجموعة معتقدات دينية تنشر بلغة الوعظ والتبشير والجهاد والصدام‮.‬


ليس من المهم أن‮ ‬يكون الإسلاميون قد تقبلوا القيم الليبرالية تقية وبرجماتية،‮ ‬ففي‮ ‬هذا التحول وحده الدليل الملموس على عمق المنعرج الليبرالي‮ ‬واستعصائه على التجاوز والاختراق‮.‬
رابعاً‮ :‬مأزق التغيير العربي.. الثورة أو الديمقراطية؟
إن المشكل الأكبر المطروح اليوم على ديناميكية التغيير العربي‮ ‬هو تضارب حركية الثورة ومطلب التحول الديمقراطي‮. ‬ومهما‮ ‬يكن الموقف من الأحداث الحاسمة التي‮ ‬شهدها العالم العربي،‮ ‬فإن الحقيقة التي‮ ‬لا مراء فيها هي‮ ‬ان منطقتنا دخلت في‮ ‬أفق تاريخي‮ ‬جديد له منطقه ورهاناته وأبعاده الدلالية والرمزية الكثيفة‮.‬


ومع أن أغلب التحليلات والتأويلات التي‮ ‬تناولت الربيع العربي‮ ‬ركزت على جوانبه السياسية بالنظر إليه بصفته حركية انتقال ديمقراطي‮ ‬بإيقاع سريع عنيف،‮ ‬إلا أن الثورات العربية الجديدة تقترن فيها‮ ‬–‮ ‬كما‮ ‬يبين الباحث الفرنسي‮ - ‬الجزائري‮ ‬زكي‮ ‬العائدي‮ (‬3‮) ‬ديناميكيات ثلاث‮:‬
‮-‬ ديناميكية ليبرالية تتجسد في‮ ‬المطالب الديمقراطية‮.‬
‮-‬ ديناميكية اجتماعية تتركز في‮ ‬مطالب العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والغبن والتفاوت‮.‬
‮-‬ ديناميكية هوية تتمثل في‮ ‬مطالب الكرامة والحفاظ على حقوق الإنسان الفردية والجماعية‮.‬
ولذا من الخلف توهم أن حركية الثورات العربية قابلة للامتصاص في‮ ‬حل المعضلة السياسية الآنية من خلال الانتخابات الحرة والشفافة‮ ‬،‮ ‬وإن كان الانفتاح السياسي‮ ‬من الشروط الأولية والضرورية للتعامل السليم مع أزمات الزمن العربي‮ ‬الراهن‮.‬


ما نلمسه اليوم في‮ ‬مختلف الساحات العربية هو صدام الثورة والديمقراطية،‮ ‬بمعنى تصادم منطق الحل السياسي‮ ‬الذي‮ ‬يقتضي‮ ‬البناء المؤسسي‮ ‬الثابت والمستقر ومنطق التمرد والثوران الذي‮ ‬يرمز للقطيعة والانفصال وتحريك السواكن وزعزعة الثوابت‮.‬
يعيد زمن الثورة فتح الأسئلة الجوهرية الكبرى التي‮ ‬تتعلق بالوجود الإنساني‮ ‬،‮ ‬بما فيها مسألة الشرعية السياسية،‮ ‬ومفارقة المرور الإشكالي‮ ‬من منزلة الحرية الذاتية‮ ‬غير المقيدة والمساواة الأصلية إلى منزلة السلطة التراتبية والتفاوت الاجتماعي‮.‬والمعروف أن هذه الإشكاليات تعتبرها المجتمعات المنظمة من المسلمات وتتعامل معها كلحظات أصلية متجاوزة،‮ ‬في‮ ‬حين تغدو هي‮ ‬الأسئلة الأساسية في‮ ‬حقبة الثورات الجذرية‮.‬


وعندما اختارت البلدان العربية الثلاثة التي‮ ‬نجحت فيها الثورات الشعبية‮ (‬تونس،‮ ‬ومصر،‮ ‬ولبيبا‮) ‬مسار التأسيس الانتقالي‮ ‬وجدت نفسها في‮ ‬إحدى اللحظات الفارقة التي‮ ‬يعاد فيها بناء النظام الاجتماعي‮ ‬من الصفر،‮ ‬على الرغم من الصياغات المؤسسية المؤقتة التي‮ ‬أريد من خلالها تاطير واحتضان السيلان الثوري‮.‬


من الطبيعي‮ ‬أن‮ ‬يحاول الجيش في‮ ‬مصر توجيه‮ ‬مسار التحول السياسي‮ ‬المفتوح على المجهول من خلال السياج الدستوري‮ ‬المسبق،‮ ‬فتكون النتيجة هيجان ثوار‮ "‬ميدان التحرير‮" ‬المتشبثين بالأفق التاريخي‮ ‬المفتوح‮.‬
في‮ ‬ليبيا واليمن‮ (‬وفي‮ ‬سوريا أيضا‮) ‬انهار البناء السياسي‮ ‬برمته‮ ‬،‮ ‬وظهر عجز المؤسسات الإدماجية عن استيعاب حركية التحول.وليس ما‮ ‬يظهر من استفاقة للمعطيات القبلية والطائفية دليلا على النكوص لوضعيات اجتماعية ما قبل حديثة،‮ ‬وإنما هو تعبير عن العودة الضرورية لإشكالات التأسيس السياسي‮ ‬والمؤسسي‮ ‬في‮ ‬أبعاده الجوهرية وبداياته الأولى‮. ‬في‮ ‬تونس‮ ‬،‮ ‬استطاعت الطبقة السياسية التوافق حول قواعد الانتقال الديمقراطي،‮ ‬فتجاوزت أزمات الديناميكية الليبرالية دون أن‮ ‬ينحسر الزخم الثوري‮ ‬الذي‮ ‬يتغذى من الأزمات الاجتماعية المستعصية.والمشكل الكبير المطروح على القوى السياسية برمتها هو كيف‮ ‬يمكن احتواء المطالب الثورية بكامل كثافتها في‮ ‬الملف السياسي‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬غبار على حسن إدارته وإحكام تسييره؟ ليس الإشكال هنا متعلقا بطبيعة الخيار الأيديولوجي‮ ‬والسياسي‮ ‬المنتصر في‮ ‬صناديق الاقتراع.فقد‮ ‬يكون في‮ ‬التصويت للون الإسلامي‮ ‬بحثا عن منطق التغيير الجذري‮ ‬خارج موازين ورهانات الواقع السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬،‮ ‬بيد أن التيار الإسلامي‮ ‬نفسه سيجد نفسه بالتأكيد في‮ ‬مواجهة المد الثوري‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يصدر عن منطق الحسابات السياسية،‮ ‬ولا‮ ‬يتقيد بسقف الواقع الممكن‮.‬


يميز الفيلسوف الفرنسي‮ ‬المعروف‮ "‬الان باديو‮" ‬في‮ ‬كتابه الصادر بعنوان‮ " ‬يقظة التاريخ‮"(‬1‮)‬ بين ثلاثة أصناف من الانتفاضة هي‮:"‬الانتفاضة المباشرة‮"‬،‮ ‬و"الانتفاضة الكامنة‮"‬،‮ ‬و"الانتفاضة التاريخية‮".‬


الانتفاضة المباشرة محدودة وجزئية تكون ردة فعل على واقعة ظلم وتجاوز،‮ ‬والانتفاضة الكامنة تكون تعبيرا عن ردة فعل صامتة خرجت للعلن إثر حدث عارض.أما الانتفاضة التاريخية التي‮ ‬يرى‮ »‬باديو‮« ‬أن الثورات العربية تندرج فيها فتحدث عندما‮ ‬يتحول الثوران المباشر الى وضعية ما قبل سياسية تفتح أفقا جديدا للتاريخ‮.‬
نجحت الثورات التاريخية العربية‮ ‬–كما‮ ‬يرى باديو‮- ‬عندما توافرت شروط ثلاثة‮ :‬الفضاء التحشيدي‮ ‬المستقر(ميدان التحرير في‮ ‬القاهرة أو ميدان القصبة في‮ ‬تونس‮)‬،‮ ‬والخروج من ضوابط وأطر التمثيل السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬بحيث تتداخل الطبقات والاتجاهات والتيارات،‮ ‬والتوصل لشعارات تعبوية جامعة‮ .‬
والمفارقة التي‮ ‬ينبه إليها‮ »‬باديو‮« ‬هي‮ ‬أن الفاعلية التاريخية لا تتحقق إلا بالخروج من مبدأ الاغلبية الذي‮ ‬هو معيار الديمقراطية التمثيلية‮ :‬فالذين أسقطوا بن علي‮ ‬ومبارك هم عشرات‮ ‬ألوف هائجة وليس الأكثرية التي‮ ‬تحسم عادة المنافسات الانتخابية‮. ‬ومن هنا تبرز لنا معضلة الوضع العربي‮ ‬الراهن الذي‮ ‬لا‮ ‬يبدو أنه في‮ ‬طور الاستقرار السياسي‮ ‬والاجتماعي،‮ ‬فليس بإمكان الهياكل السياسية الشرعية أن تؤمن في‮ ‬المدى المنظور حالة الأمن الاجتماعي‮ ‬والسلام الأهلي‮. ‬ستنعكس هذه الإشكالات ضرورة في‮ ‬النقاشات الدستورية المفتوحة في‮ ‬الاتجاهات كلها،‮ ‬وقد تفضي‮ ‬إلى ثورات أخرى لا تستهدف هذه المرة الأنظمة الاستبدادية القمعية وإنما‮ ‬الحكومات الديمقراطية التي‮ ‬ليس لها من‮ ‬القوة إلا سلاح الشرعية‮ .‬
ماذا‮ ‬يحدث لو أسقطت الأقلية الثائرة حكومات الأكثرية الناخبة؟


حدث هذا الاحتمال في‮ ‬مناطق عديدة من العالم في‮ ‬لحظات سابقة،‮ ‬واتخذ أشكالا متعددة من أخطرها عودة الاستبداد باسم الشرعية الثورية‮ (‬احتجاجا وردة فعل على المؤسسات الديمقراطية الفاسدة أو المشلولة وحالة الانسداد السياسي‮). ‬ليست إذاً‮ ‬لحظة الثورة هي‮ ‬لحظة الديمقراطية‮ ‬،‮ ‬وليس من الحتمي‮ ‬أن‮ ‬يقود الانقلاب الجذري‮ ‬الى الحالة التعددية المنظمة والمستقرة‮.‬


ما حدث في‮ ‬العالم العربي‮ ‬هو انكسار الأنظمة الاستبدادية السلطوية،‮ ‬وتجدد الفاعلية التاريخية للإنسان العربي‮ ‬مما‮ ‬يمهد الأرضية الملائمة للمنعرج الليبرالي،‮ ‬بيد أنه من السذاجة الرهان على تجاوز الاستحقاقات‮ ‬الفكرية والمجتمعية لهذا المنعرج بمجرد الآليات الانتخابية والنظم المؤسسية،‮ ‬فالطريق إلى الديمقراطية ما زال في‮ ‬الخطوات الأولى‮.‬

المصدر * عن صحيفة الاهرام المصرية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://jben.yoo7.com
 
التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من العربية الى الدارجة
» الحل لجهاز لايدعم العربية
» إعجاز علمي في 10 حروف من اللغة العربية
» حصاد تونس من الميداليات في دور 12 للألعاب العربية
» الليلة على قناة العربية الفرار من قرطاج..

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتديات العامة :: اكــــــثر من رأي-
انتقل الى:  

تذكرني؟

التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية Fb110
المقــالات والمـواد المنشورة في المنتـدى لاتُعبرعن رأي الادارة ويتحمل صاحب المشاركـة كامل المسؤوليـة عن اي مخالفـة او انتـهاك لحقوق الغيــر.
التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية Progre11
* جميع الحقوق محفوظة ©-2011منتدى جبنيانة *
التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية Progre12
يستحسن إستعمال Firefoxلتصفح المنتدى