نابل : قربة - التخفيض في أسعار اللحوم إلى النصف .
مكتب نابل ـ (الشروق)
لا حاجة في مدينة قربة لمقاطعة اللحوم الحمراء، فالأسعار هنا في متناول أغلب الفئات يكفي أن نشير إلى أن ثمن الكيلوغرام لا يتجاوز 12 دينارا بالنسبة لـ«لحم العلوش» و10 دنانير لـ«الهبرة» و8 دنانير لـ«اللحم البقري المخلّط».
لم نصدّق خبر التخفيض هذا ودفعنا الفضول إلى التجوّل بين أروقة المدينة للمعاينة، طفنا بين قصّابي الجهة فوجدناها أشبه بالمدينة «الظاهرة» في ظل الارتفاع المشط في أسعار اللحوم الحمراء داخل بقية الجهات، هل في الأمر سر؟ هل أن أطنان اللحوم الحمراء التي تباع هنا مغشوشة؟ هل إنها تجارة خاسرة؟. . . كثيرة كانت أسئلتنا ونحن نسابق جحافل الحرفاء القاصدين قربة من الجهات القريبة منها والبعيدة قبل أن نبحث بينهم عن موطئ قدم. لا فرق بين هذا المحل وذاك ضمن هذه المحلات المتجاورة والعديدة داخل سوق قربة، المشهد ذاته داخل كل محل وكأنه مستنسخ ممن يجاوره: حرفاء يتكاتفون ويتزاحمون ويسترحمون بعضهم البعض ويأملون في لفتة كريمة من القصاب أو أحد معاونيه، خراف مذبوحة تتدلى على الواجهة، أكداس من اللحوم الحمراء تنتظر دورها على الميزان، لافتات تؤكد بالبنط العريض أن بيع الكيلوغرام الواحد من اللحم البقري المخلط بثمانية دنانير فحسب ليس كذبة، وأن سعر لحم العلوش لا يستحق المقاطعة (12 دينارا فقط)، وأن «الهبرة» وهي لحم البقر الخالي من العظم في متناول من يطلبها (10 دنانير). كانت الأسعار هنا مرتفعة كباقي جهات الجمهورية حتى خامرت القصاب نبيل حمادة «فكرة مجنونة» أواسط شهر مارس الماضي، وفق ما أكده لنا السيد رضا باني.
فعندما كانت أسعار العلوش تقترب من العشرين دينارا، فاجأ نبيل زملاءه القصابين وعموم المواطنين بتخفيض السعر إلى 12 دينارا فحسب، ثم خفض سعر الهبرة من 14 دينارا إلى 10 دنانير، وسعر «المخلط» من 12 دينارا إلى 8 دنانير. ولم يكد الحرفاء يعلمون بقراره حتى تسابقوا على محله وتدافعوا، فاضطر بقية زملائه إلى الإقتداء به حتى لا تبور تجارتهم، وظل الخبر ينتشر ويتوسع حتى بلغ الجهات المجارة فصاروا يقصدون قربة من الصمعة وبني خيار ومنزل تميم ونابل والحمامات وحتى العاصمة. ولكن هل يقدر فارق أربعة دنانير أو خمسة على تغطية مصاريف التنقل من الجهات البعيدة؟ الإجابة تكفلت بها السيدة بوعبدلي (من الحمامات) والسيد لسعد الزقلي (من نابل) اللذان أكدا أن هامش ربح الحريف يظهر عندما يشتري أكثر من كيلوغرام واحد من اللحم، وأضافا أنهما لا يكتفيان بشراء اللحم بل يشتريان أيضا أغراضا أخرى مثل الخضر والغلال لانخفاض أسعارها نسبيا فتكون الفائدة مضمونة. كان علينا أن نتصل بالقصاب نبيل صاحب فكرة التخفيض، فلم نكد نتجاوز صفوف حرفائه حتى وفر علينا مؤونة الشروع في الأسئلة: «هي فكرة تلقائية لم يملها أو يقترحها أحد عليّ» قالها بزهو وهو يعمل ساطوره في اللحم، وأضاف: «أبيع في اليوم الواحد ما يقارب طنا من اللحم أي ما يعادل 10 خرفان وعجلين ثم أراجع حساباتي فأجد هامشا معقولا ومقنعا من الربح، لكن الأهم عندي أن الحريف لا يجد مشقة في شراء اللحم، وأن منظمة حماية المستهلك لن تجد مبررا لمقاطعة اللحوم الحمراء لو قنع بقية القصابين في بلادنا بالربح اليسير». ولكن لماذا ارتفع سعر العلوش مثلا إلى 17 دينارا أو أكثر في تونس ما دام سعر 12 دينارا يضمن هامشا معقولا من الربح؟تكفل القصاب حسين حمادة بالإجابة فقال إن أرباحه اليومية قبل التخفيض كانت تقارب 50 دينارا في اليوم الواحد، وبعد أن أعجبته فكرة نبيل وراح يطبقها تقلص هامش الربح لكن عدد الحرفاء راح يرتفع يوما بعد آخر ما يوحي بإمكانية الوصول إلى المعدل السابق (50 دينارا) وحتى تجاوزه في القريب العاجل. لكن ارتفاع عدد الحرفاء (عنصر الكم) لم يكن كافيا ليضمن هامش الربح المعقول بعد التخفيض، بل آزره عنصر آخر يتعلق بالمنتج. صادفنا في زيارتنا السيد الهادي خليفة وهو منتج أبقار يزود بعض قصابي قربة بحاجتهم فأكد أنه لم يكد يعلم بخبر التخفيض في أسعار اللحوم المذبوحة حتى قرر بدوره التخفيض في أسعار عجوله وأبقاره المعدّة للذبح. »كان لا بد لي من الاستجابة حتى يستفيد المستهلك، ولا يتضرر القصاب ولكن تخفيضي لا يضرني بل بالعكس يزيد في أرباحي». أضاف هذا المنتج موضحا أن بيع عجلين بعد التخفيض نسبيا في سعريهما أفضل من الاكتفاء ببيع عجل واحد. ولعل النقطة السلبية الوحيدة التي فاجأتنا دون أن نعاينها تتمثل في الغش فقد أعلمنا عدد من الحرفاء وحتى القصابين أن بعض الباعة لا يقيمون الوزن بالقسط بل يخسرون الميزان ويشهرون البيع بسعر معين لكنهم يستغفلون الحريف فيبيعونه البضاعة بسعر أرفع. حاولنا التثبت في مدى صحة هذه التهمة فقررناشراء بعض اللحم على أن نتأكد لاحقا من وزنه في مكان آخر لكننا لم نفلح في سعينا، فعندما خامرتنا الفكرة كان القصابون قد فرغوا من بيع ما تبقى لهم من لحوم وشرعوا في جمع نقودهم وتنظيف محلاتهم.
عادل العوني