ليس من السهل في شيء تلخيص تفاصيل ليلة كاملة قضاها أعوان قوات الجيش والحرس والشرطة وهم يلاحقون المسلحين في وادي «العوايد» بمنطقة «السديرات الجنوبية « ببئر علي بن خليفة في طقس شديد البرودة..
عمليات إنزال..طلق ناري متبادل..جثث ملقاة هنا وهناك..متفجرات من نوع TNT المعتمد عادة في العمليات التفجيرية لتنظيم القاعدة..حفر في الوادي للتخفي ولردم الأسلحة.. و14 ألف دولار أمريكي في جيب أحد القتلى..ورسالة مشفرة تكشف مخطط العصابة.. وللأحداث بداية..
البداية ستكون في هذا المقال بنجاح العملية وإجهاض مخطط المسلحين..ففي حدود الساعة السابعة والنصف من فجر يوم أمس الخميس، تمكنت قوات الجيش والحرس والشرطة من إلقاء القبض على ثالث أفراد العصابة الذي لم يلق حتفه، المسلح لم يقاوم ولم يطلب إلا «شربة ما» بعد أن رفع يديه عاليا مستسلما لقواتنا الباسلة..
استسلم دون مقاومة
كان منهكا، متعبا، جائعا وظمآنا..الشعر أشعث، والملابس ممزقة وملطخة بالتراب والطين.. كان متخفيا داخل منزل مهجور بالمكان، المنزل لا يبعد أكثر من 300 متر عن جثتي شريكيه القتيلين..
القتيلان كانا داخل الوادي.. أحدهما وجهه مغطى بسترته السوداء، والثاني كان بلا غطاء.. والمختصون فهموا أن المغطى هومن قتل الأول ولهم أدلة في ذلك.. من أبرز هذه الأدلة ما يؤكد أن الأول كان دون وثائق تدل على هويته، في حين كان الثاني يحمل وثائقه الخاصة ووثائق شريكه، مما يعني انه لما تأكد من وفاة صديقه جرده من كل ما يدل على هويته حتى لا يكشف أمر العصابة حسب تصوره..
وحتى لا نستبق الأحداث، نعود قليلا إلى الوراء لفهم هذه التفاصيل وغيرها من التفاصيل المثيرة التي تمكنت من خلالها وحدات الجيش والحرس والشرطة من القبض على ثالث الثالوث حيا يرزق حسب التعليمات الصادرة في الغرض..
بعد يوم كامل تقريبا من المطاردة والاشتباكات وإطلاق الرصاص بين المجموعة المشبوهة وقواتنا الوطنية، كانت التعليمات واضحة: التوقف عن إطلاق النار والبحث عن المجموعة بطائرات الهيليكبتر التي تعزز مجهودات الأعوان أرضا في حملاتهم التمشيطية الواسعة..
إطلاق النار من المجموعات المسلحة توقف، وكان لزاما كشف مكان الاحتماء والتخفي .. في حدود الساعة الـ11 من ليلة أول أمس الأربعاء، فتحت قواتنا النار عاليا وفي اتجاهات مختلفة، فكانت ردة فعل المسلحين بإطلاق النار..
المختصون فهموا أن الطلقات صادرة من عنصرين فقط، مما يعني أن الثالث ربما مات أوفر من المكان، لكن الراجح انه قتل حسب بعض المعلومات السابقة..
خطط..وتنسيق للإطاحة بالمسلحين
الواحدة صباحا : إطلاق ناري من قواتنا وردة الفعل كانت واضحة من المسلحين..الرابعة صباحا، إطلاق نار من قواتنا بلا ردة فعل، وهنا تحركت المدرعات والسيارات لتضييق الخناق على مكان تواجد المجموعة المسلحة..تنسيق تام في التقدم، وعمليات إنزال مع أضواء كاشفة تساعد قواتنا في التحرك..
عمليات التقدم لم تكن يسيرة، فمع كل خطوة يتم كشف بقايا الخراطيش أو أسلحة مخفية في التراب أو حفر كان يتحصن فيها الإرهابيون للاحتماء من النيران وللتخفي من أعين بواسل تونس..التقدم كان بثبات خوفا من كل طارئ أو من رصاصة طائشة تصيب أحد عناصر قواتنا..
انبلج الفجر، وعثر جيشنا الوطني على صندوق يحتوي على كمية كبيرة من المتفجرات من نوعTNT المعتمد عادة في العمليات التفجيرية لتنظيم القاعدة..المتفجرات كانت مخفية بإحكام، والمطلوب المزيد من الحذر، فكل المعطيات تؤكد أن المجموعة متدربة وعلى درجة عالية..
الساعة السابعة صباحا: العثور على جثتي القتيلين، لكن أين الثالث؟.. لرفع الجثتين وخوفا من أحزمة ناسفة أومتفجرات، تم شد أرجلهما إلى حبل لجرهما بعيدا عن مكانهما الأصلي.. وتم سحب الجثتين بسلام ولم يبق إلا الثالث..
مدربون بامتياز
بتفتيشهما، كان الأول بلا وثائق، في حين كان الثاني يحمل وثائقه ووثائق صديقه وهناك بطاقتا تعريف وطنية، جوازا سفر، 250 دينارا من العملة الوطنية و14 ألف دولار أمريكي.. الأول قتل برصاصة في البطن، أما الثاني فكانت إصابته على مستوى الرأس والعين اليسرى..
وغير بعيد عن مكان الجثتين، وعلى بعد 300 متر تقريبا لاح لقواتنا بيت بدا مهجورا، بثبات وتنسيق تقدمت إليه الوحدات المختصة في مثل هذه العمليات، وبمداهمته رفع ثالث الثالوث يديه عاليا مستسلما طالبا القليل من الماء.. وفعلا شرب ثم تم اقتياده إلى مكتب التحقيق بالمحكمة العسكرية الدائمة بصفاقس كما تم نقل جثتي القتيلين إلى قسم الطبيب الشرعي بالمستشفى الجامعي بالجهة..
حصيلة اشتباكات الليلة كانت 4 جرحى من قواتنا الوطنية: 3 من قوات الجيش أصيب أحدهم في الساق، والثاني في أعلى الفخذ والثالث في آخر الظهر وأعلى الحزام، أما إصابة عون الحرس فكانت في أعلى كتفه..
المصابون بعضهم زحف أكثر من 50 مترا والدماء تنزف..وفي المستشفى طالب من رؤسائه العودة إلى الجبهة للقضاء على المسلحين..هوشرف أراد أن يناله دفاعا عن الوطن..الثاني لم يتفطن إلى أنه أصيب بخرطوشة، كانت دماؤه تسيل وهويتقدم نحوالعصابة..أما البقية، فبمجهودات كبيرة تم إخراجهم من بين النيران..
قراءة المختصين في الأسلحة والحركات الإرهابية تقول إن المسلحين يتمتعون بتدريب عال، فهم على علم أن قواتنا يرتدون السترات الواقية، لذلك وجهوا نيرانهم إلى الأعضاء غير المحمية بالسترات..
ومن أخطر المعلومات التي حصلت عليها «الشروق» ما يؤكد عثور قوات الجيش والحرس والشرطة على رسالة مشفرة ممزقة ومدفونة في أديم الأرض تكشف عن مخطط إرهابي ربما كان المسلحون ينوون تنفيذه أوربما تحتوي الرسالة على معلومات سرية أخرى قد تكشفها التحريات..
الوثائق التي تم العثور عليها وحجزها، تؤكد أن الثالوث من تونس، بعضهم من ولاية سيدي بوزيد، وبعضهم مطلوب لدى العدالة على خلفية ارتباطهم بخلية «سليمان» وهوما ستؤكده اوتنفيه التحريات المجراة في الغرض..
العمليات الإجرامية المبرمجة تم إجهاضها بفضل تداخل العديد من العوامل من أبرزها بسالة وشجاعة قوات الشرطة والحرس والجيش الوطني، والتنسيق، والتنفيذ المحكم..
والأهم الإيمان بأن الذود عن الوطن واجب على كل التونسيين والتونسيات، وعلى هذا الأساس واعترافا بهذا المجهود المذهل، نظم مساء يوم أمس بصفاقس وبدعوة من الرابطة التونسية لحقوق الإنسان أهالي الجهة وممثلو بعض الأحزاب الوطنية والجمعيات والمنظمات بحضور والي صفاقس وقفة «تشجيعية» أمام مقر إقليم صفاقس للحرس للتعبير عن مساندتهم لكل قوات الشرطة والحرس والجيش بفرقهم ووحداتهم المختلفة وخاصة وحدات الطلائع..وقفة قال فيها أصحابها شكرا لرجالات تونس وشجعانها..