منذ 23 أكتوبر موعد أول انتخابات ديمقراطية تشهدها تونس غابت أخبار أحزاب الورق و"الكرتون" التي قد يصل عددها إلى 100 حزب بعد ان أشبعتنا وعودا وهمية في حملاتها الانتخابية تراوحت بين: من سيخفض سعر الخبز الى 100 مليم، ومن سيفجر آبار البترول،
ومن يتعهد بتوفير 800 ألف موطن شغل، بل منهم من وعد بإنجاز نهر اصطناعي عظيم بالصحراء التونسية ليحول المثلث الجنوبي الى جنة على وجه الأرض.
لكن اندثرت هذه الأحزاب «الديكورية» وضاعت في الزحام بعد ان تلقت صفعة قوية لم تمكنها من بلوغ دائرة أحزاب «الصفر فاصل» -رغم رفضي لهذا التصنيف الذي يستخدمه «النهضاويون» شتيمة للأحزاب اليسارية- بل ان هذه الاحزاب «الكرتونية» قد «لهفت» مليارين و690 الف دينار وهي مطالبة اليوم بإعادتها الى الخزينة العامة لانها ملك للمجموعة الوطنية ويمكن الاستفادة بها في هذا الوقت بالذات في بعث بعض المشاريع التي توفر مواطن شغل.
لا نريد أحزابا تتحرك «ماكينتها» ويرتفع هديرها ويكثر ضجيجها إلا مع أحداث تهتز على وقعها البلاد بل انها لا تنفض الغبار عن رفوف مكاتبها لتحبير بعض بيانات التنديد او المساندة «السمجة» لتسجيل حضورها الا بعد «الهمز» و»اللمز» دون ان نتحدث عن الأحزاب التي «ماتت سريريا» مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات التي جاءت بمثابة «الصدمة» التي أعادتها الى وعيها لتتأكد انها من وزن «الريشة» ان لم نقل أقل.
لسنا في حاجة الى احزاب «عرجاء» يطرح وجودها أصلا ألف سؤال وسؤالا فأين كانت هذه الأحزاب لما كانت أجساد الفقراء والمهمشين «ترتعد» من جراء الفيضانات او موجة البرد التي شهدها الشمال الغربي إذ لم نلمس منها مبادرة فعلية لمساعدة المحتاجين والوقوف الى جانب المنكوبين؟
لماذا تخلت هذه الأحزاب عن مسؤوليتها في تهدئة الاوضاع في وقت كانت فيه عديد الجهات تعاني من الاحتقان وتغلي كالمرجل وهي تعلم ان اقتصادنا على مشارف الهاوية خاصة بعد ان أثبتت التقارير ان نسبة النمو بلغت 2 تحت الصفر وهي معطيات تدعو في الواقع الى الفزع وتحرك كل اصحاب الاطراف لاعادة الروح الى اقتصاد كان يحتضر قبل ان يستعيد حيويته ولو نسبيا؟
أين اختفت الاحزاب التي تركزت مكاتبها الرئيسية في بعض الجهات لما كانت عديد المدن تعيش انفلاتا أمنيا ولماذا تناست دورها في تهدئة الخواطر وتوعية الجماهير خدمة للوطن قبل كل شيء خاصة انه كان بامكانها ممارسة دورها التأطيري والتوعوي في سبيل المساهمة في اعادة هيبة الدولة امام ما نشهده من حوادث شملت حتى الاعتداء على اعوان الامن داخل مراكزهم في بعض الجهات.
وأعتقد جازما ان مسؤولي هذه الاحزاب احترفوا فقط الانتقاد و"التنبير" في الزوايا وتخلوا عن مسؤولياتهم الحقيقية لذلك نقول لهم «حلوا» أحزابكم.. وارحلوا بلا رجعة.. واحترموا أنفسكم .. لأن المواطن لن يغفر لكم تخاذلكم اليوم لأنكم ساهمتم في ضبابية المشهد السياسي بما أثر على اختياراته.. ارحلوا.. ارحلوا.. ارحلوا...