بوادر أزمة ديبلوماسية صامتة بين تونس وقطر

على عكس ما تحاول وسائل الاعلام القريبة من السلطة في تونس، وقناة الجزيرة القطرية، من صورة وردية للعلاقات التونسية القطرية، فان ما هو باطن من الأمور عكس ظواهرها، والعلاقات تمرّ بأقصى فترات البرود خلال الايام الثلاثة الاخيرة.

ذلك أن حضور الامير حمد، والذي تغاضت الجزيرة كليا، هي وقناة تواصل الالكترونية التابعة لحركة النهضة وجريدة الفجر، عن كل الاحتجاجات الشعبية التي رافقت الزيارة والتي عمّت كافة أرجاء البلاد من شمالها الى جنوبها، هذا الحضور لم يزد الحكومة التونسية، وحركة النهضة بالخصوص الا احراجا وارباكا.

فالامير حمد، الذي تدافع عنه النهضة وأنصارها بكل قوة، بل ويعتبرونه قدوة في الديمقراطية وحُبّ الخير وحتى الجهاد في سبيل الله كما ذهب الى ذلك أحد الوزراء، لم يأت بجديد في جرابه الى النهضة، التي تبدو في أشدّ الحاجة الى الاموال لاسكات عديد الحناجر التي انفجرت في وجهها دفعة واحدة، ويقول بعض المقرّبين من النهضة أنها أصيبت باحباط وبخيبة أمل، لما أعلن الامير أنه قدّم لتونس استثمارات بخمسمائة مليون دولار، وهي التي تعرف جيدا ان هذه الوعود قد أعطيت لحكومة الباجي قايد السبسي منذ أكثر من ثلاثة اشهر، رغم محاولات التعتيم عليها، لتقديمها لانصار الحركة وعامة الشعب على أنها مكسب للحكومة الجديدة.

زيارة الامير عقبها ايضا، توزيع شريط فيديو على نطاق واسع، يقول فيه الامير مازحا وهو يمسك بيد السيد منصف المرزوقي: “هاني نعلّم في رئيسكم حتى كيف يسلّم”، وقد لاقى الشريط استهجانا كبيرا من مختلف الاوساط التي رأت فيه اهانة كبرى لا يمكن السكوت عليها والمرور عليها مرور الكرام لانها تمسّ في العمق استقلالية وسيادة الدولة التونسية ممثلة في أعلى رموزها، رئيس الجمهورية.

ولم يكتف الامير بذلك، اذ أن حضوره في الاحتفال الرسمي، الذي غابت عنه كل بلدان أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا وأمريكا اللاتينية ولم يحضره الى جوار قطر سوى ليبيا وموريتانيا والجزائر وتركيا، حيث تصرّف الامير كصاحب البيت والباقي، بما فيهم التوانسة، ضيوفا، اذ تسبّب في عديد الاحراجات، لعل أهمها قيامه ومغادرته القاعة، حال مباشرة وزير خارجية تركيا القاء كلمته، هذا الخروج الذي أجبر رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي على القيام لايصاله الى الباب، أحرج الضيف التركي، وجعله يتوقف عن الكلام وينتظر الى أن تهدأ هذه الهرجة “الدبلوماسية” المربكة وغير المقبولة في الاعراف الدولية.

اضافة الى ذلك، تعمّد أمير قطر، أن لا يذكر رئيس موريتانيا، عند ترحيبه بالضيوف – باعتباره صاحب الحفل – رغم أن رئيس موريتانيا قد حيّاه في كلمته، وهو ما أحرج الرؤساء الثلاثة وجعلهم يعتذرون لرئيس موريتانيا عوضا عنه.

كل هذه التصرفات، التي أحرجت المسؤولين التونسيين وجعلتهم في حالة ارتباك واضحة، هي نتاج لما يراه أمير قطر أمرا مزعجا حقا، وهو الاعلان الرسمي لحكومة تونس قبل يوم من وصول الامير أن رئيس الحكومة السيد حمادي الجبالي، قد تلقى دعوة رسمية لزيارة المملكة العربية السعودية.

ويعلم الجميع ان هذه الزيارة، جاءت بطلب، أقرب الى الامر، من السعوديين، الذين لم يحضروا الاحتفالات بعيد الثورة، وعبّروا عن انزعاج شديد من ارتماء الحكومة التونسية بالكامل تحت الجُبّة القطرية، خاصة بعد الرضوخ لتعليمات قطرية بشأن عدم دعوة القيادة المصرية، واستقبال اسماعيل هنية، وكذلك المسارعة الى دعوة واستقبال الجواد الخاسر الذي تراهن عليه قطر في طرابلس، حكيم بلحاج، الذي فقد كل نفوذ وخرج من اللعبة نهائيا في ليبيا، والذي حاولت قطر من خلال اجبار النهضة على استقباله، ارجاع الاضواء اليه وجعله منافسا جديا لوزي بوكتف ذو الولاء السعودي الوهابي واسامة البدري ذو الولاء القبلي الزنتاني، واللذين استطاعا فرض تحالف مع التكنوقراطي رئيس الوزراء الكيب، وأوشكو أن يقضوا نهائيا على رهانات قطر المتمثلة في حكيم بلحاج ومصطفى عبد الجليل.

خسائر قطر لم تقف عند هذا الحدّ، بعد طرابلس، والشارع التونسي، والقطيعة مع المجلس العسكري في القاهرة، وصعود التيار الموالي للسعودية في انتخابات مصر، وغضب تركيا من ادارة قطر للملف السوري في الجامعة العربية، والتسريبات عن احتداد أزمة علاقاتها مع كل من السعودية، جارها القوي، والامارات، وفشلها في فرض برنامج انتقال سلمي للسلطة في اليمن، خاصة بعد أن حرّكت السعودية أنصارها من تنظيم القاعدة في الجنوب، وحركت طهران جماعتها الحوثيين في الشمال، وهو ما أعطى فرصة لعلي عبد الله صالح الى التراجع عن الاتفاقات التي رعتها قطر وضمنتها في الامم المتحدة.

كل هذه الخسائر، يبدو انها جعلت تونس تحاول أن تتملّص من الجُبة القطرية التي أربكتها أكثر مما ساعدتها، والتي يراهن عليها زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي بكل قواه، خاصة بعد القطيعة السعودية معه نهائيا، والرفض الايراني المطلق لمجرّد التحاور معه، والازمة التي خلقها مؤخرا مع الامريكان بتصريحاته التي تراجع عنها وشتم الامريكان بعدها، اضافة الى عدم القبول الاوروبي الذي اتّضح من خلال زيارة أداها قبل أسوبع ثلاثة وزراء الى تونس، ولم يعد أحد منهم أو يمثّلهم لحضور الذكرى الاولى للثورة، وهو ما يفسّره الملاحطون بغضبهم الصامت تجاه القاء حكومة النهضة بكلّ بيضها في لّة قطر، التي ينظر الاوروبيون بحذر شديد وارتياب الى الادوار التي تلعبها في المنطقة