انتهى الدور الأول من بطولة كأس الأمم الأفريقية الثامنة والعشرين لكرة القدم التي تستضيفها غينيا الاستوائية بالمشاركة مع الغابون حتى الثاني عشر من الشهر الحالي، ولا شك أن النسخة الحالية من البطولة حفلت بالعديد من الظواهر والأحداث التي استحقت الرصد والمتابعة سواءً كانت على الصعيد الفني أو الإحصائي، حيث شهدت البطولة مفاجآت عديدة تمثلت بإقصاء منتخبات كانت مرشحة قبل انطلاق المنافسات إلى التأهل للأدوار النهائية، كما أظهرت لنا أيضاً منتخبات لم تسلط عليها الأضواء بالشكل الكافي، ولم تكن مرشحة لتخطي الدور الأول، إلا أنها أثبتت جدارتها وحصدت العديد من النقاط وتأهلت بقوة وبجدارة واستحقاق إلى الدور الثاني.
ومابين أرقام عدة ومفاجآت مدوية ولاعبين خطفوا الأضواء من نجوم سابقين خفت بريقهم تظهر لنا السمات والظواهر الآتية.
قوى صاعدة
من أهم وأبرز الظواهر التي لفتت أنظار الجميع في البطولة الحالية، التفوق الواضح لعدد من المنتخبات الصاعدة أو ما يطلق عليها منتخبات الصف الثاني والثالث في القارة السمراء والتي استطاعت بحق مزاحمة الكبار بل والإطاحة بها من البطولة والتأهل بدلاً منها إلى الدور الثاني.
وبالتأكيد فإن ما قام به منتخب زامبيا من التأهل على حساب المنتخب السنغالي الذي رشحه البعض للتأهل للنهائي، وما فعله فهود الغابون من الإجهاز على أسود الأطلس، وما قام به المنتخب السوداني من إنجاز تاريخي تمثل في حجز بطاقة التأهل إلى الدور الثاني على حساب أنغولا التي تأهلت إلى ربع النهائي في آخر دورتين ومثلت أفريقيا قبل ذلك في مونديال 2010، وبوركينا فاسو صاحبة المركز الرابع في نسخة عام 1998، كذلك النجاح المبهر الذي أصابه لاعبو غينيا الاستوائية في أول نهائيات يشاركون فيها في تاريخهم، أثبت أن هذه النسخة الحالية من الممكن أن تقدم بطلاً جديداً للقارة في نهايتها أو على أقل تقدير، منتخب يخوض المباراة النهائية للبطولة للمرة الأولى في تاريخه.
الرصاصات النحاسية
وعلى الرغم من المفاجآت الكبرى التي سطرتها منتخبات السودان وزامبيا والغابون تحديداً إلا أننا يجب أن نذكر أن تلك النتائج جاءت متماشية إلى حد كبير مع الارتفاع الواضح في مستوى تلك المنتخبات في السنوات الأخيرة، والتي انعكست إلى حد كبير على أداء تلك المنتخبات، فمنتخب زامبيا الذي أنهى مشاركته في الدور الأول متصدراً لترتيب منتخبات المجموعة الأولى برصيد سبع نقاط، كان قد خرج من الدور الأول لبطولة 2006 بعد أن جمع ثلاث نقاط فقط بفوزه المدوي على تونس حاملة اللقب وقتها بثلاثة أهداف نظيفة، كما خرج من الدور الأول أيضاً في بطولة عام 2008 بعد أن جمع أربع نقاط بفوزه على السودان (3-0) وتعادله مع مصر (1-1)، بينما نجح المنتخب الملقب بالرصاصات النحاسية في التأهل للدور ربع النهائي في النسخة الماضية عام 2010 قبل أن يخرج أمام نيجيريا بركلات الجزاء الترجيحية.
أي أن أداء الفريق جاء متصاعداً بشكل لافت للنظر والمثير أن المنتخب الزامبي على الرغم من التغييرات القليلة التي حدثت في تشكيلته في السنوات الأخيرة إلا إنه يمتاز بصغر متوسط أعمار لاعبيه والذي يبلغ 25.4 سنة، وهو بذلك يأتي في المركز الخامس من حيث أصغر المنتخبات عمراً.
المنتخب الزامبي سجل في البطولة حتى الآن خمسة أهداف، تناوب على تسجيلها كل من كريس كاتونغو قائد الفريق هدفين ومايوكا هدفين وكالابا هدف، والمثير أن أربعة أهداف منها مصنوعة بتمريرة حاسمة صنعها كل من كاتونغو وكالابا ومايوكا ولونغو، ما يدل على أن الفريق يعتمد بشكل كبير على الأداء الجماعي.
فهود الغابون
المنتخب الغابوني الملقب بالفهود هو أحد أفضل المنتخبات في الدور الأول من البطولة وهو الوحيد الذي تمكن من جمع العلامة الكاملة (تسع نقاط) مع المنتخب الإيفواري العتيد المرشح الأول للتتويج باللقب، وأيضاً لا نملك جميعنا إلا أن نرفع القبّعات لهذا المنتخب الصاعد بسرعة الصاروخ في سماء الكرة الأفريقية، فجميعنا يتذكر كيف أبلى الغابونيون بلاءً حسنا في تصفيات كأس العالم الماضية عندما تمكنوا من الفوز على المغرب ذهاباً وإياباً (2-1) (3-1) كما تمكنوا من الفوز على الكاميرون في نهائيات أمم أفريقيا الماضية (1-0) قبل أن يتعادلوا مع تونس (0-0) ويخسرون أمام زامبيا (1-2) فخرجوا من الدور الأول بعد أن توقف رصيدهم عند أربع نقاط.
ويعتقد الكثيرون أن المنتخب الغابوني يمكنه أن يتأهل إلى نهائي البطولة لعدة عوامل أبرزها أن البطولة تقام على أرضه ووسط جماهيره، كما أنه يمتلك عدداً من أبرز لاعبي البطولة في مقدمتهم نجم البطولة حتى الآن بيير أوباميانغ الذي أحرز ثلاثة أهداف يتصدر بهم قائمة هدافي البطولة حتى الآن مع كل من مانوتشو مهاجم أنغولا وحسين خرجة قائد المنتخب المغربي واللذين خرجا من البطولة، ما يعني أن أوباميانغ أصبح يمتلك فرصة حقيقية الآن للتتويج بلقب هداف البطولة إذا ما استمر توفيقه في الأدوار القادمة.
المنتخب الغابوني أحرز حتى الآن ستة أهداف في البطولة منها ثلاثة صنعت عن طريق تمريرات حاسمة أهداها كل من مويلي وكوزان وأوباميانغ نفسه، ويحسب لمنتخب الفهود أنه تمكن من العودة من بعيد في لقائه أمام منتخب أسود الأطلس فبعد أن ظل خاسراً بهدف دون رد معظم أوقات اللقاء عاد وحسم المباراة لصالحه في النهاية (3-2) في مباراة تعتبر الأفضل حتى الآن في البطولة.
صقور الجديان
هي بطولة تاريخية بكل المقاييس للمنتخب السوداني الذي تمكن من انتزاع إعجاب جميع المراقبين بفضل أدائه المتصاعد من مباراة إلى أخرى، والذي ختمه بحسم تأهله إلى الدور ربع النهائي لأول مره في تاريخه منذ أن أصبحت البطولة يشارك فيها ستة عشر فريقاً.
افتتح المنتخب السوداني مواجهاته بخسارة غير مستحقة أمام الأفيال الإيفوارية بهدف دون رد في مباراة كان فيها المنتخب الملقب بصقور الجديان على أعتاب التعادل أكثر من مرة وأضاع لاعبوه العديد من الفرص أمام المرمى، وفي المواجهة الثانية أحرج صقور الجديان فهود أنغولا كثيراً وتقدموا عليهم في بداية اللقاء قبل أن تنتهي المباراة بالتعادل (2-2)، ثم اختتم الفريق مواجهاته بفوز حاسم على بوركينا فاسو (2-1).
ويعتبر إنجاز المنتخب السوداني في البطولة الحالية هو خير تتويج لهم بعد أدائهم المتصاعد في السنوات القليلة الماضية، فالأمر لا يتوقف على الظهور المستمر لناديي المريخ والهلال في بطولتي كأس الكونفدرالية الأفريقية ودوري أبطال أفريقيا، ولكن أيضاً على صعيد نتائج المنتخب الذي تمكن من التأهل إلى نهائيات كأس أمم أفريقيا 2008 بعد أن أبلى بلاء حسناً في تلك التصفيات التي اختتمها بالفوز على تونس (3-2) وهو الفوز الذي حمل المنتخب السوداني إلى نهائيات "غانا 2008".
وفي تصفيات التأهل للبطولة الحالية جاء المنتخب السوداني في المركز الثاني في مجموعته، بعد أن حقق عدداً من النتائج الجيدة أبرزها التعادل مع مضيفه المنتخب الغاني في أكرا بدون أهداف.
والأهداف الأربعة التي سجلها المنتخب السوداني في البطولة الحالية جاءت عن طريق لاعبين هما محمد أحمد بشير ومدثر الطيب الملقب بـ"كاريكا" وكلاهما سجل هدفين، علماً بأن كل الأهداف تم تسجيلها من داخل منطقة الجزاء، هدف منهم عن طريق ضربة رأس والباقيين بالقدم اليمنى.
غينيا الاستوائية
يمكن اعتبار منتخب غينيا الاستوائية أنه قدم من المجهول، فهو لم يظهر على ساحة كأس الأمم الأفريقية سواءً كان على صعيد النهائيات أو خلال التصفيات المؤهلة للبطولة، وعلى الرغم من ذلك فقد شق الفريق طريقه بنجاح وأعلن تأهله إلى ربع النهائي عقب انتهاء الجولة الثانية في المجموعة الأولى عندما حقق فوزاً مفاجئاً على المنتخب السنغالي بهدفين مقابل هدف، وكان قبل ذلك قد فاز على ليبيا في افتتاح البطولة (1-0).
وسجل منتخب غينيا الاستوائية في الدور الأول ثلاثة أهداف فقط بالتساوي مع منتخب مالي والمنتخبان تحديداً أقل منتخبين تأهلا إلى ربع النهائي إحرازاً للأهداف.
والواضح في منتخب غينيا الاستوائية أنه غير قادر على التسجيل السريع أو الحسم السريع للقاءاته، فكل أهدافه جاءت في الشوط الثاني بل في أوقات متأخرة جداً، إذ سجل لاعب وسط الفريق خافيير بالبوا هدف الفوز على ليبيا في الدقيقة 87 بينما سجل المهاجم راندي الهدف الأول في مرمى السنغال في الدقيقة 62، وأضاف كيلي هدف الفوز في الدقيقة 94، علماً بأن الأهداف الثلاثة جاءت من تمريرات حاسمة وهو ما يدل على نجاح الأداء الجماعي في الفريق.
كوت ديفوار الأقوى
من بين كل المنتخبات المشاركة في النهائيات الحالية يظل منتخب كوت ديفوار هو المرشح الأول بلا منازع لحصد اللقب، فعلى الرغم من ارتفاع معدل أعمار الأفيال الإيفوارية (27.7 سنة) وهو يأتي في المرتبة الرابعة كرابع أكبر منتخب مشارك في البطولة، فإن الفريق تخطى بثبات وثقة متناهيتين الدور الأول وتمكن من حصد العلامة الكاملة، بعد أن فاز في مبارياته الثلاث مسجلاً خمسة أهداف وهو ثالث أقوى خط هجوم في البطولة بعد غينيا (7 أهداف) والغابون (6 أهداف) إلا أنه يتميز بكونه أقوى خط دفاع في المنافسات إذ أن شباكه لم تهتز ولا مرة حتى الآن.
وما لفت النظر في المنتخب الإيفواري هي عملية الإحلال والتجديد الرائعة التي قام بها المدرب الوطني فرنسوا زهوي حيث قام بالدفع خلال مباريات الفريق الثلاث في الدور الأول بعدد جديد من اللاعبين صغار السن حديثي العهد بالمنتخب الإيفواري في مقدمتهم المهاجم الشاب ويلفريد بوني (23 عاماً) لاعب فيتيس آرنهيم الهولندي، والحارس البديل دانيل يابواه (27 عاماً) لاعب ديجون الفرنسي، وماكس جارديل لاعب سانت إتيان (24 عاماً).
ومن بين الأهداف الخمسة التي أحرزها المنتخب الإيفواري هناك أربعة سجلها الفريق فقط كون باكاري كونيه لاعب بوركينا فاسو كان قد سجل هدفاً بالخطأ في مرمى فريقه في مباراة المنتخبين ضمن المرحلة الثانية من الدور الأول، علماً بأن ثلاثة أهداف أخرى للإيفواريين تم صناعتها بتمريرات حاسمة تناوب على إهدائها كل من سالومون كالو ويايا توريه وبونو ويلفريد.
الحصيلة التهديفية
• إجمالي عدد الأهداف في الدور الأول بلغ 61 هدفاً بمتوسط تهديفي بلغ 2.54 هدفاً في المباراة الواحدة تم تسجيلها في 24 مباراة.
• على الرغم من ان الدور الأول من البطولة الماضية شهد تسجيل 54 هدفاً فقط إلا إنه يعتبر نفس معدل التهديفي للنسخة الحالية تقريباً (2.6) كون هذه الأهداف سجلت في 21 مباراة فقط، حيث أن توغو كانت قد انسحبت من مجموعتها آنذاك بعد واقعة إطلاق النار الشهيرة على المنتخب التوغولي قبل بدء البطولة، علماً بأن البطولتين لا تقارنان بنسخة عام 2008 والتي شهدت تسجيل 70 هدفاً في الدور الأول محققة معدل تهديفي بلغ 2.9 هدف في المباراة الواحدة.
• هدافو البطولة حتى الآن، الغابوني بيير أوباميانغ والأنغولي مانوتشو والمغربي حسين خرجة وجميعهم سجل ثلاثة أهداف.
• أكثر مباراة شهدت تسجيل أهداف هي مباراة غينيا وبوتسوانا والتي جرت ضمن المرحلة الثانية من المجموعة الرابعة وشهدت إحراز سبعة أهداف.
• تتميز مباريات البطولة حتى الآن بأن كل المباريات تم تسجيل أهداف فيها عكس البطولة الماضية التي شهدت تعادلين سلبيين في الدور الأول (كوت ديفوار – بوركينا فاسو) و(أنغولا – الجزائر).
• المنتخب الغيني هو صاحب أقوى خط هجوم برصيد سبعة أهداف ومنتخب النيجر هو صاحب أضعف خط هجوم بتسجيله هدف واحد فقط.
• كوت ديفوار صاحبة أقوى خط دفاع إذ لم تهتز شباكها في أي مباراة حتى الآن، بينما منتخب بوتسوانا الذي يخوض غمار البطولة لأول مرة في تاريخه يعتبر صاحب أضعف خط دفاع حتى الآن إذ اهتز مرماه تسع مرات.
• 37 هدفاً بنسبة 60 % من أهداف الدور الأول تم تسجيلها نتيجة تمريرات حاسمة، أهداها صانعو الألعاب إلى محرزي الأهداف.
• 15 هدفاً بنسبة 24.5 % من أهداف الدور الأول تم تسجيلها عن طريق تسديدات من خارج منطقة الجزاء .
• 46 هدفاً بنسبة 75.5 % تم تسجيلها من داخل منطقة جزاء الخصم.
• ثلاثة أهداف تم تسجيلها من ركلات جزاء جاءت كالتالي 1 – هدف أنغولا الذي أحرزه مانوتشو في الدقيقة 50 من مباراة فريقه أمام السودان. 2 – هدف حسين خرجة الذي أحرزه لصالح المغرب أمام الغابون في الدقيقة 91. 3-هدف سليلواني لاعب وسط بوتسوانا الذي أحرزه في مرمى غينيا في الدقيقة 23.
• أسرع هدف في البطولة حتى الآن هو الهدف الذي أحرزه أحمد سعد مهاجم المنتخب الليبي في مرمى زامبيا بعد أربع دقائق فقط من انطلاق اللقاء.
• هدف الغابوني بانانغوي الذي أحرزه في مرمى أسود الأطلس في الدقيقة 97 يمكن تسميته بحق أنه أهم أهداف الدور الأول إذ أنه أطاح بالمنتخب المغربي من الدور الأول تماماً بينما أكد صعود الغابون إلى ربع النهائي.